تقارير صحفية

توسع استعماري في الضفة الغربية.. 49 بؤرة جديدة في عام و14% من الأرض تحت سيطرة المستوطنين

كشفت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، في تقرير استقصائي موسّع، عن تضخم غير مسبوق في البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة، وذلك منذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية مقاليد السلطة، وتصاعدت وتيرته بشكل ملحوظ عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ويشير التقرير إلى أن المستوطنين الإسرائيليين استغلوا انشغال العالم بالحرب على غزة لتنفيذ عمليات استيلاء ممنهجة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث جرى إنشاء عشرات البؤر الاستيطانية الجديدة بدعم من الحكومة التي تضم وزراء منتمين لحركة الاستيطان، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

الاستيطان يتوسع بسرعة.. 49 بؤرة جديدة خلال عام واحد
بحسب ما وثّقه التقرير، فإن عمليات الاستيطان الجديدة تصاعدت بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، المعروف باسم “طوفان الأقصى”، حيث بدأ المستوطنون في السيطرة على الأراضي الفلسطينية بشكل ممنهج ومدعوم من الدولة. وبين شهري أكتوبر 2023 وديسمبر 2024، تم إنشاء 49 بؤرة استيطانية جديدة، دون أي ترخيص قانوني، على أراضٍ فلسطينية تم إخلاؤها قسريًا من سكانها.

واعتمدت الشبكة الأمريكية في تقريرها على تحليل صور الأقمار الصناعية، التي أظهرت إنشاء مبانٍ حديثة وطرق جديدة في هذه البؤر، التي تم إقامتها في مناطق شهدت تهجيرًا واسعًا للفلسطينيين. وأكد التقرير أن بعض هذه الطرق تم تمهيدها بدعم من الجيش الإسرائيلي، الذي يوفّر الغطاء العسكري للمستوطنين.

توسع استعماري في الضفة الغربية.. 49 بؤرة جديدة في عام و14% من الأرض تحت سيطرة المستوطنين
المستوطنات الإسرائيلية

مخطط لإحكام السيطرة على الضفة الغربية
ووفقًا لمؤسستي “السلام الآن” و”كيرم نافوت” الإسرائيليتين، اللتين تعاونتا مع “سي إن إن” في إعداد التقرير، فقد توسّعت هذه البؤر الاستيطانية الجديدة بشكل كبير حتى باتت تغطي ما يقرب من 14% من مساحة الضفة الغربية، رغم أن عدد المستوطنين الذين يقطنونها لا يزال محدودًا نسبيًا.

ويعتمد المستوطنون على تكتيك وضع “الكرافانات” أو المنازل المتنقلة في مناطق استراتيجية، ثم يقومون بجلب الماشية إليها، بهدف فرض أمر واقع، ومنع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم. وعادة ما يتم اختيار التلال المرتفعة لإقامة هذه البؤر، نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي يسمح بفرض السيطرة على المناطق المحيطة بها.

دور الحكومة الإسرائيلية في دعم الاستيطان
رغم أن هذه البؤر غير قانونية حتى وفق القوانين الإسرائيلية، إلا أن الحكومة توفر دعمًا ماليًا ولوجستيًا لحمايتها. وكشف التقرير أن الحكومة الإسرائيلية خصصت ميزانيات ضخمة لحماية هذه المستوطنات الناشئة، حيث تم شراء مركبات مصفحة، وطائرات مسيّرة للمراقبة، وكاميرات أمنية، إضافة إلى مولدات كهربائية، وبوابات إلكترونية، وأعمدة إنارة تعمل بالطاقة الشمسية.

ويشير التقرير إلى أن عمليات الاستيطان هذه ليست مجرد مبادرات فردية، بل هي “مشروع دولة” مدعوم من الحكومة، رغم عدم إعلانه رسميًا. كما أن 70% من الأراضي التي استولى عليها المستوطنون منذ التسعينيات تم الاستيلاء عليها خلال العامين ونصف الماضيين فقط، وهو ما يعكس تسارعًا كبيرًا في سياسات التوسع الاستيطاني.

انعكاسات الاستيطان على الفلسطينيين: تهجير قسري وعزل مجتمعي
يؤكد التقرير أن التوسع الاستيطاني أدى إلى تصاعد غير مسبوق في معاناة الفلسطينيين القاطنين بالقرب من هذه المستوطنات الجديدة، حيث فقدوا القدرة على الوصول إلى أراضيهم الزراعية، التي أصبحت محاطة بأسوار وحواجز أمنية، كما تم شق طرق استيطانية تفصل بين التجمعات السكانية الفلسطينية.

توسع استعماري في الضفة الغربية.. 49 بؤرة جديدة في عام و14% من الأرض تحت سيطرة المستوطنين

وفي تطور خطير، كشف التقرير أن الجيش الإسرائيلي أصدر أوامر تمنع عودة آلاف الفلسطينيين النازحين من أربعة مخيمات للاجئين في شمال الضفة الغربية منذ يناير الماضي، حيث قدّرت الأمم المتحدة عدد هؤلاء النازحين بنحو 40 ألف شخص.

وترافقت عمليات الاستيطان مع تصعيد ملحوظ في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الاعتداءات المسلحة، وحرق الممتلكات، وتخريب المحاصيل الزراعية، وهي ممارسات تتم غالبًا بحماية قوات الاحتلال.

التوسع الاستيطاني في مرمى القانون الدولي
بحسب تقرير “سي إن إن”، فإن المستوطنات الجديدة يتم إنشاؤها خلافًا للقانون الدولي، الذي يعتبر كل أشكال الاستيطان في الأراضي المحتلة غير شرعية، وهي وجهة نظر تتبناها معظم الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، تواصل إسرائيل تقديم الدعم لهذه البؤر الاستيطانية، كما ترفض الاعتراف بعدم قانونيتها، حيث تعتبر هذه المستوطنات جزءًا من “حق اليهود في أرض إسرائيل”، وفقاً للرواية الإسرائيلية الرسمية.

الأقمار الصناعية توثّق التغييرات على الأرض
أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللها التقرير تغييرات جذرية في التضاريس الجغرافية للضفة الغربية، حيث تم شق طرق جديدة، وبناء وحدات استيطانية حديثة، إضافة إلى وجود معدات ثقيلة تعمل على تجهيز مزيد من الأراضي لعمليات الاستيطان.

وكشف التقرير عن تهجير أكثر من 60 تجمعًا فلسطينيًا رعويًا منذ يوليو 2022، حيث زادت وتيرة التهجير بشكل ملحوظ بعد 7 أكتوبر، مما يشير إلى وجود مخطط مدروس لخلق واقع استيطاني جديد على الأرض.

توسع استعماري في الضفة الغربية.. 49 بؤرة جديدة في عام و14% من الأرض تحت سيطرة المستوطنين

نتائج كارثية على الفلسطينيين
يحذر التقرير من أن عمليات الاستيطان الجارية لا تؤدي فقط إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، بل تسهم أيضًا في خلق كارثة اقتصادية وثقافية واجتماعية، حيث يفقد الفلسطينيون مصادر رزقهم التقليدية، وخاصة الزراعة ورعي الماشية، وهي قطاعات يعتمد عليها جزء كبير من سكان الضفة الغربية.

كما تؤدي هذه السياسات إلى تفتيت المجتمعات الفلسطينية، وعزلها عن بعضها البعض، من خلال تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق معزولة ومحاصرة بالمستوطنات والطرق العسكرية، مما يعيق الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين ويحول دون قدرتهم على التنقل بحرية.

نحو تصعيد جديد في الضفة الغربية؟
في ظل هذا التوسع السريع في الاستيطان، والتجاهل الإسرائيلي لقرارات القانون الدولي، تتزايد المخاوف من تصعيد جديد في الضفة الغربية، حيث يتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى مزيد من التوترات والصدامات بين الفلسطينيين والمستوطنين، وسط انتقادات دولية متزايدة لإسرائيل بسبب ممارساتها في الأراضي المحتلة.

ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن حكومة نتنياهو تبدو عازمة على فرض واقع جديد في الضفة الغربية، من خلال سياسات توسعية غير مسبوقة، مستغلة الأوضاع الأمنية والسياسية بعد حرب غزة، في خطوة قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع بشكل أكبر، وعرقلة أي جهود محتملة لإيجاد حل سياسي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى