تقارير وتحليلات

ترامب يصعّد ضد موسكو.. الرئيس الأمريكي يعطي الضوء الأخضر لإسقاط الطائرات الروسية في مجال الناتو

 

 

في مشهد يفتح بابًا جديدًا من التوتر العالمي، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات حادة ضد روسيا خلال لقائه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مؤكدًا أن أي طائرات روسية تنتهك أجواء حلف شمال الأطلسي “الناتو” يجب أن تُسقط فورًا.

 

هذا الموقف العلني الصارم، الذي جاء مدعومًا بخطاب ناري ضد موسكو، أعاد الجدل حول مستقبل الحرب في أوكرانيا، واحتمال انزلاقها إلى مواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم.

 

منذ فبراير 2022، حين أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه الواسع على أوكرانيا، يعيش العالم على وقع حرب طويلة استنزفت الجميع، ولم تنجح محاولات التهدئة في إيقافها. لكن الجديد اليوم هو دخول واشنطن في خطاب تصعيدي مباشر، بعد سلسلة من الانتهاكات الروسية لأجواء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في بولندا ورومانيا وإستونيا.

 

ترامب وصف روسيا بأنها “نمر من ورق”، في إشارة إلى فشلها في تحقيق نصر سريع رغم مرور ثلاث سنوات ونصف على اندلاع الحرب. قال بحدة: “حرب كهذه كان من المفترض أن تُحسم في أسبوع إذا كانت روسيا بالفعل قوة عسكرية كبرى، لكنها تكشف الآن عن ضعف داخلي وانهيار اقتصادي متسارع”.

 

هذا الوصف أثار ردود فعل غاضبة في موسكو. دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، رفض المقارنة قائلًا: “روسيا ليست نمرًا من ورق، بل دب، ولا يوجد دببة من ورق”. لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن بوتين يُقدّر رغبة ترامب في إيجاد تسوية، معتبرًا أن الحل السياسي لا يزال ممكنًا إذا توقفت واشنطن عن محاولات إضعاف روسيا عبر العقوبات والرسوم الجمركية.

 

لكن التصريحات الأكثر خطورة جاءت من ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الذي حذّر بشكل صريح من أن خطر الصراع المباشر بين روسيا والولايات المتحدة يبقى “مرتفعًا للغاية”، ما لم تغيّر واشنطن سياستها تجاه موسكو. هذا التحذير يسلط الضوء على هشاشة الوضع، خاصة مع تكرار التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي كخيار في حال تصاعدت الحرب.

 

العامل النووي يبقى حاضرًا في خلفية كل هذه التطورات. فروسيا تمتلك أكبر مخزون نووي في العالم، ومع اقتراب انتهاء معاهدة “ستارت الجديدة” في فبراير 2026، يزداد القلق من انهيار آخر خطوط الضبط والرقابة على الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو. في ظل غياب معاهدة بديلة، يلوح شبح سباق تسلح نووي جديد يزيد من المخاطر.

 

على الجانب الآخر، يحاول ترامب الظهور بمظهر “رجل الأعمال السياسي” القادر على قلب الموازين. فهو لا يخفي امتعاضه من استمرار الحرب، ويطالب الأوروبيين بوقف واردات النفط والغاز الروسي، فيما يضغط باتجاه تعزيز صادرات الطاقة الأمريكية الأغلى ثمنًا. بيسكوف سخر من هذا التوجه، معتبرًا أنه مجرد محاولة من ترامب لجعل العالم يعتمد على الطاقة الأمريكية.

 

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن تصريحات ترامب تجد صدى لدى جزء من الرأي العام الغربي الذي يرى أن روسيا استنزفت نفسها عسكريًا واقتصاديًا دون حسم. الأزمات الداخلية التي تعيشها موسكو، من نقص الوقود والطوابير الطويلة إلى الإنفاق العسكري الضخم، كلها تعزز صورة الدولة المأزومة أكثر من كونها قوة عظمى متماسكة.

 

التحقيق في مجمل المشهد يُظهر أن العالم يقف أمام مفترق طرق خطير: إما أن تتجه واشنطن وموسكو إلى تصعيد مباشر قد يحمل شبح مواجهة نووية، أو أن يستغل القادة الحاليون اللحظة لإعادة فتح باب التسويات السياسية قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.

 

في النهاية، تبقى الحرب الروسية الأوكرانية اختبارًا حقيقيًا للنظام الدولي. فكل خطوة جديدة، سواء كانت تصريحًا ناريًا من ترامب أو تحذيرًا مبطنًا من ميدفيديف، تُقرب العالم من حافة الهاوية أو تُعيده خطوة إلى الوراء نحو مسار التهدئة. وبين “النمر من ورق” و”الدب الحقيقي”، يقف ملايين البشر رهائن لصراع لم يحسم بعد، وسط قلق عالمي متزايد من أن يتحول التهديد إلى واقع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى