بين شرم الشيخ وبروكسل.. إسرائيل تحاول تحسين صورتها أمام أوروبا بعد حرب غزة

مع اقتراب موعد توقيع الاتفاق النهائي لوقف الحرب على قطاع غزة، تتجه أنظار العالم نحو شرم الشيخ، حيث تُعقد قمة دولية كبرى برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، بحضور عدد من قادة العالم.
وبينما تتهيأ المدينة لاستقبال لحظة سياسية فارقة، تدور خلف الكواليس معركة دبلوماسية لا تقل سخونة، طرفها هذه المرة ليس الفصائل الفلسطينية وحدها، بل إسرائيل التي تسعى جاهدة لترميم علاقاتها المتصدعة مع أوروبا بعد حربٍ طاحنة خلّفت آلاف الضحايا وجرائم وصفتها تقارير دولية بأنها «جرائم إبادة وانتهاكات جسيمة».
ودّ مفقود وثمن باهظ
فبحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية، فإن تل أبيب فقدت جزءًا كبيرًا من الدعم الأوروبي التقليدي الذي لطالما شكّل مظلة سياسية واقتصادية لها.
باستثناء المجر، أصبح وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأراضي الأوروبية مغامرة محفوفة بالخطر، بعدما صدرت بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، في حين مُنع الوزيران اليمينيان المتطرفان إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش من دخول منطقة منطقة شنغن بسبب العقوبات الأوروبية.
الأمر لم يتوقف عند حدود الشخصيات السياسية، بل طال مستوطنين متطرفين فُرضت عليهم عقوبات مباشرة، فيما بدأت دول الاتحاد الأوروبي تلوّح بإجراءات اقتصادية قاسية ضد إسرائيل، من بينها التلويح بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع أكبر شريك تجاري لها.
ورغم أن التهديد بتجميد الاتفاق بدا واقعيًا خلال الأسابيع الماضية، فإن انتهاء الحرب على غزة وتراجع مشاهد القصف والموت قد يؤدي إلى تراجع زخم تلك العصا الأوروبية. ومع ذلك، تبدو العودة إلى «الزمن الجميل» للعلاقات بين الطرفين بعيدة المنال.
قنوات دبلوماسية متوترة
في أروقة العواصم الأوروبية، يتحدث دبلوماسيون عن أزمة ثقة عميقة. أحد الدبلوماسيين الفرنسيين صرّح للصحيفة العبرية قائلًا: «العلاقات غير الرسمية بين أوروبا وإسرائيل يصعب إصلاحها في المدى القريب… لا أحد يريد التقاط صورة إلى جانب مسؤولين إسرائيليين بعد كل ما حدث».
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن عدد الوفود الأوروبية، خصوصًا الفرنسية، التي كانت تزور إسرائيل تراجع بشكل ملحوظ، في ظل أجواء سياسية مشحونة وتراجع حاد في العلاقات الشخصية بين إيمانويل ماكرون ونتنياهو.
ويرى دبلوماسيون أن الاتحاد الأوروبي لن يكتفي بوقف النار، بل سيدفع بقوة لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ«خطة ترامب»، والتي تتضمن في جوهرها الوصول إلى صيغة للتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، على الأرجح في إطار «حل الدولتين».
أوروبا تغيّر قواعد اللعبة
من وجهة نظر الدبلوماسية الأوروبية، فإن استعادة العلاقات مع إسرائيل مشروطة بمعالجة «جذر الأزمة» وهو الاحتلال نفسه. أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أكد: «لا يمكن لأي عملية ترميم أن تنجح من دون خطوات إسرائيلية واضحة نحو حل الدولتين».
ويشير مراقبون إلى أن اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية والعربية الأخير في باريس، شكّل نقطة تحوّل، وأرسل رسالة واضحة إلى تل أبيب مفادها أن المنطقة تغيّرت، وأن الموازين السياسية لم تعد كما كانت.
لا عودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر
في إسرائيل، تُستخدم عبارة «لا عودة إلى السادس من أكتوبر» للدعوة إلى توحيد الصفوف داخليًا بعد هجوم حركة حماس، غير أن الأوروبيين تبنّوا العبارة ذاتها لكن بمعنى مختلف تمامًا: لا عودة إلى تجاهل الاستيطان أو السكوت على العنف الممنهج ضد الفلسطينيين.
فحتى مع منح إسرائيل «مهلة سياسية» لإنهاء ملف غزة، لن تتسامح أوروبا مع توسيع المستوطنات أو الضمّ الفعلي في الضفة الغربية، خصوصًا بعد رأي محكمة العدل الدولية العام الماضي الذي أكّد عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي.
حكومة متطرفة.. وعزلة متزايدة
في ظل عدم وجود مؤشرات على تغيّر الحكومة الحالية في تل أبيب، لا يعتقد المجتمع الدبلوماسي الأوروبي أن إصلاحًا حقيقيًا للعلاقات بات وشيكًا. يقول أحد الدبلوماسيين: «طالما هذه الحكومة المتطرفة بخطابها الحالي في السلطة، لا أمل في عودة العلاقات إلى طبيعتها».
وبينما يستعد قادة العالم للتوافد إلى شرم الشيخ لتثبيت اتفاق السلام، يبدو أن إسرائيل تواجه معركة من نوع آخر على الجبهة الأوروبية، معركة قد لا تحسمها الدبابات أو الطائرات، بل الصورة، والعدالة، والسياسة.
وحتى إن نجحت تل أبيب في تمرير اللحظة الراهنة بأقل الأضرار، فإن استعادة الثقة الأوروبية المفقودة ستكون طريقًا طويلاً وشاقًا، وربما أكثر صعوبة من الحرب ذاتها.