اليونان وتركيا.. تصاعد التوتر في شرق المتوسط وأثينا تنشر فرقاطات قبالة السواحل الليبية

شرت البحرية اليونانية اليوم فرقاطتين على الأقل في المياه الدولية قبالة السواحل الليبية، في خطوة تأتي تزامنًا مع عودة التوتر بين اليونان وتركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط. هذا التحرك البحري اليوناني يأتي بعد أيام من دعم القمة الأوروبية، التي انعقدت في 26 يونيو 2025، للموقف اليوناني الرافض لمذكرة التفاهم التركية الليبية، والتي اعتبرها الاتحاد الأوروبي “تنتهك الحقوق السيادية لدول ثالثة ولا يمكن أن تنتج آثارًا قانونية”.
ويشير هذا التصعيد إلى تجدد الصراع بين اليونان وتركيا حول استغلال الموارد الهيدروكربونية قبالة السواحل الليبية، مما يثير تساؤلات حول أبعاد هذا التوتر ومآلات التصعيد بين الجانبين.
أبعاد التوتر المتجدد بين اليونان وتركيا: تنقيب، دبلوماسية، ومخاوف أمنية
عاد التوتر للتصاعد في شرق المتوسط مدفوعًا بالصراع اليوناني التركي على ترسيم الحدود البحرية واستغلال الموارد الهيدروكربونية قبالة السواحل الليبية. وتتضح أبعاد هذا التوتر في عدة جوانب:
التنقيب قبالة جزيرة كريت: تفاقم التوتر بعد إقرار مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية السابقة، والتي تستند إلى اتفاقية جنيف 1958. أعلنت وزارة الطاقة اليونانية في 2 مايو 2025 طرح مناقصة للتنقيب عن الوقود الأحفوري في 4 مواقع ساحلية، اثنان منها جنوب جزيرة كريت قبالة السواحل الليبية. وقد أبدت شركتا شيفرون الأمريكية وهيلينيك للطاقة اهتمامهما بهذه الأنشطة الاستكشافية. في المقابل، وقعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مذكرة تفاهم مع الشركة التركية للبترول “TPAO” في 25 يونيو 2025 بإسطنبول، لإجراء دراسة جيولوجية وجيوفيزيائية لأربع مناطق بحرية.
إجراءات دبلوماسية مكثفة: اتخذ الجانب اليوناني العديد من الإجراءات الدبلوماسية لحماية حقوقه البحرية، مستندًا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982. أكد بيان قمة المجلس الأوروبي، في 26 و27 يونيو 2025، أن مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية “تنتهك الحقوق السيادية للدول الثالثة ولا تتوافق مع قانون البحار”. كما تعتزم اليونان مواصلة الحوار مع الأطراف الليبية، حيث ينوي وزير الخارجية اليوناني زيارة طرابلس وبنغازي لدفع السلطات الليبية لإعادة النظر في مذكرة التفاهم مع أنقرة.
قضايا أمنية متداخلة: تتحرك الحكومة اليونانية لتعزيز المخاوف الأمريكية والأوروبية من تجدد النزاع في ليبيا، خاصة بعد المواجهات الدامية في طرابلس في مايو الماضي. هذه المخاوف مرتبطة بالتداعيات الأمنية المباشرة وغير المباشرة على أمن أوروبا، مثل تدفق الهجرة غير النظامية والجرائم المنظمة. وقد أشارت صحيفة كاثميريني في 30 يونيو 2025 إلى أن نشر الفرقاطتين اليونانيتين يهدف إلى مكافحة الهجرة غير النظامية وتنسيق الجهود مع السلطات الليبية في الشرق. يمثل هذا التحرك العسكري اليوناني أيضًا رد فعل لإعاقة أي تحرك تركي ليبي محتمل لفرض أمر واقع بالتنقيب في المناطق المتنازع عليها، خصوصًا مع اهتمام شركات الطاقة الأمريكية بالعمل في جنوب وغرب جزيرة كريت. وتقدر السلطات اليونانية أن إجمالي احتياطات النفط والغاز في المياه اليونانية بالبحر الأيوني وجنوب جزيرة كريت يُعادل 250 مليار يورو.
تداعيات محتملة: صفقة أمريكية أم تأجيج للتوتر بين اليونان وتركيا؟
رغم تعقيدات الصراع المرتبطة بترسيم الحدود البحرية والثروات النفطية المحتملة، لا يزال منسوب التوتر بين تركيا واليونان منخفضًا. يمكن استشراف تداعيات هذا التوتر من خلال سيناريوهين محتملين:
صفقة أمريكية: قد تتدخل الولايات المتحدة لإيجاد تسوية بين أطراف الصراع للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في شرق المتوسط، بالنظر إلى العلاقات القوية التي تربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيريه التركي رجب طيب أردوغان، واليونان كحليف استراتيجي لواشنطن. قد تشمل هذه الصفقة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان وليبيا، ودفع أنقرة للانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وتحقيق تقدم في حل الأزمات السياسية والأمنية في ليبيا. ومع ذلك، يتوقف نجاح هذه الصفقة على مدى شمول الرؤية الأمريكية للمنطقة وقدرتها على دفع الطرفين لتقديم تنازلات.
تأجيج التوتر: قد يتجه التوتر إلى مرحلة جديدة من التصعيد والاستفزازات العسكرية بين الجانبين دون الانخراط في صراع مفتوح، على غرار توترات سابقة في عامي 2020 و2022. يعود ذلك إلى عدة اعتبارات، منها تذبذب الموقف الأمريكي وحرصه على عدم الانخراط في صراعات طويلة بين حليفين رئيسيين في الناتو، والسياسة الأوروبية المرنة تجاه تركيا، وعدم رغبة الأطراف الإقليمية والدولية في الزج بليبيا في هذا الصراع.
الخلاصة
تنطوي العلاقات بين تركيا واليونان على تعقيدات تاريخية تتأرجح بين التعاون والصراع، وهو ما يبرز مجددًا في ملف ترسيم الحدود البحرية في ظل تعاظم النفوذ الجيوسياسي التركي في المنطقة. يظل الموقف الأمريكي حاسمًا في تحديد مستقبل التوتر المتجدد بين الجانبين، إما بالتوصل لصفقة شاملة تبدو عادلة ومقبولة للطرفين، أو بإدارة الصراع بما يخدم المصالح الاستراتيجية في المنطقة.