اليوم التالي في غزه..أوروبا تضغط وترامب يناور ونتنياهو يرفض

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة قبل ما يقرب من عامين، والعالم يتساءل: ما هو المشهد القادم؟
الحرب التي التهمت الأخضر واليابس، قتلت عشرات الآلاف، وشرّدت مئات الآلاف، تحولت إلى اختبار حقيقي لقدرة المجتمع الدولي على إنهاء نزاع دموي ممتد لعقود. وبينما تتسابق أوروبا وأمريكا والعرب على تقديم “خطة اليوم التالي”، تبدو غزة غارقة في الحصار والدمار، معلقة بين الوعود الدبلوماسية والواقع العسكري.
أولًا: المبادرة الأوروبية.. 8 مبادئ على الورق
كشفت صحيفة فاينانشال تايمز أن بريطانيا وفرنسا، وبدعم ألماني وإيطالي، دفعت بخطة تتضمن ثمانية مبادئ رئيسية:
* نشر قوة استقرار دولية بتفويض من الأمم المتحدة.
* استبعاد حماس من أي مستقبل سياسي في غزة.
* نزع السلاح من الفصائل المسلحة.
* إرسال قادة حماس إلى المنفى.
* إدارة انتقالية عبر لجنة فلسطينية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية.
* إصلاح السلطة الفلسطينية وتعزيز شرعيتها.
* دعم دولي مالي وإنساني لإعادة الإعمار.
* التنسيق مع إسرائيل لضمان “أمنها”.
لكن الخطة تواجه عقبة أساسية: رفض ترامب الضغط على إسرائيل، وتمسك نتنياهو بعدم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية.
ثانيًا: ترامب.. بين الخطاب الشعبوي والحسابات الانتخابية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أطلق في فبراير الماضي تصوره لغزة كـ”ريفييرا الشرق الأوسط” خالية من الفلسطينيين، يظهر ترددًا في التحرك.
أولوياته واضحة: إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وكسب دعم اليمين الأمريكي واللوبي الصهيوني مع اقتراب الانتخابات.
في اجتماعات نيويورك، بدا وكأنه يلمّح لإمكانية وقف الحرب، لكن من دون التزام سياسي واضح، ليبقى موقفه أقرب للمناورة منه إلى الحل.
ثالثًا: الخطة العربية.. صوت مختلف من القاهرة والرياض
العرب، بقيادة مصر والسعودية، قدّموا مقاربة أكثر شمولية:
* غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية.
* أي وقف إطلاق نار يجب أن يقترن بمسار سياسي يفضي لحل الدولتين.
* صفقة تبادل أسرى شاملة.
* إعادة إعمار تحت مظلة عربية-إسلامية.
* توحيد غزة والضفة تحت سلطة فلسطينية واحدة.
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أكد أن أي حلول أمنية منفصلة “محكوم عليها بالفشل”، مشددًا على ضرورة وجود ضمانات أمريكية ودولية تجبر إسرائيل على الالتزام.
رابعًا: خطة بلير.. وصاية دولية مثيرة للجدل
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير دخل على الخط بخطة تدعو إلى وضع غزة تحت “وصاية دولية”، بمشاركة الأمم المتحدة وربما أطراف عربية.
الفكرة، المدعومة من جاريد كوشنر، صهر ترامب، تُواجَه برفض عربي وأوروبي خشية أن تُهمّش الفلسطينيين وتحوّل غزة إلى “منطقة إدارة مؤقتة” بلا سيادة.
خامسًا: الأمم المتحدة.. بين القرارات المعطلة والواقع المرير
الأمم المتحدة حضرت المشهد كشريك محتمل لقوة الاستقرار الدولية، لكن سجلها في فلسطين ضعيف.
* مجلس الأمن مشلول بفعل الفيتو الأمريكي المتكرر.
* وكالة “الأونروا” نفسها تواجه أزمة تمويل وضغوط إسرائيلية لطردها من غزة.
* ومع ذلك، يرى الأوروبيون أن تفويضًا أمميًا ضروري لإضفاء الشرعية على أي قوة استقرار.
سادسًا: روسيا والصين.. مصالح لا مبادئ
في الخلفية، تقف موسكو وبكين كلاعبين مراقبين أكثر من كونهما صانعين للقرار.
* روسيا تستثمر في إظهار فشل أمريكا في إدارة الأزمة، وتقدّم نفسها كوسيط بديل.
* الصين تدعو لحل الدولتين وتعرض استضافة محادثات، لكن دون مبادرات عملية.
* كلاهما يرى في الحرب فرصة لتقويض النفوذ الغربي في الشرق الأوسط.
سابعًا: الرأي العام الغربي.. ضغط متزايد
صور المجازر في غزة أشعلت الشارع الأوروبي والأمريكي.
* تظاهرات ضخمة في لندن وباريس وبرلين وواشنطن.
* ضغوط على الحكومات الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
* في المقابل، تصاعد خطاب معاداة السامية المزعوم كأداة لتكميم الأصوات المنتقدة لإسرائيل.
هذا الضغط الشعبي كان أحد أسباب دفع أوروبا للاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، ما عمّق الانقسام مع واشنطن وتل أبيب.
ثامنًا: الداخل الإسرائيلي.. معركة السياسة والأمن
داخل إسرائيل، الحرب طالت أكثر مما توقّع القادة العسكريون.
* المؤسسة الأمنية حذرت من أن استمرار العمليات يستنزف الجيش.
* عائلات الأسرى الإسرائيليين تضغط بقوة لإبرام صفقة تبادل.
* نتنياهو يرفض أي شراكة مع السلطة الفلسطينية، ويدفع نحو ضم الضفة.
* الحكومة اليمينية المتطرفة تدفع نحو مزيد من التصعيد، كوسيلة للبقاء السياسي.
تاسعًا: غزة.. كارثة إنسانية بلا نهاية
في الجانب الآخر من المشهد، يعيش الفلسطينيون في ظروف كارثية:
* أكثر من 70% من البنية التحتية مدمرة.
* مئات آلاف النازحين بلا مأوى.
* نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود.
* انهيار شبه كامل للقطاع الصحي.
ومع غياب حل سياسي واضح، تبقى غزة على حافة كارثة إنسانية أعمق.
خاتمة: اليوم التالي.. بين الأمل والسراب
تتشابك المبادرات الدولية في عواصم العالم، لكن غزة ما زالت تحترق.
الأوروبيون يطرحون خطة من 8 مبادئ، العرب يطالبون بدولة فلسطينية، بلير يقترح وصاية دولية، وترامب يناور بين تصريحاته الشعبوية وضغوط الانتخابات.
أما نتنياهو، فيتمسك بخطاب رافض لأي تسوية، مدفوعًا بتحالف يميني متطرف.
وبين كل هذه الأطراف، يبقى السؤال: هل سيأتي “اليوم التالي” فعلًا لغزة؟
أم سيبقى مجرد عنوان على الورق، بينما الواقع يستمر في إنتاج “اليوم نفسه” من حرب ودمار ومعاناة؟