تقارير وتحليلات

الهند تصعّد دون أدلة.. إجراءات صارمة ضد باكستان بعد هجوم كشمير تثير مخاوف من انفجار إقليمي

في خطوة وصفت بأنها تصعيد خطير في العلاقات المضطربة بين الجارتين النوويتين، أعلنت الهند، أمس الخميس، سلسلة من الإجراءات الانتقامية ضد باكستان على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف مدنيين في كشمير وأودى بحياة 26 شخصًا، رغم عدم تقديمها أي دليل مادي يربط إسلام آباد بالحادث.

فقد قررت نيودلهي تعليق جميع خدمات التأشيرة للمواطنين الباكستانيين “بأثر فوري”، إلى جانب إلغاء جميع التأشيرات السارية للمواطنين الباكستانيين، اعتبارًا من 27 أبريل 2025، بحسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية الهندية. كما طالبت الهند جميع المواطنين الباكستانيين الموجودين على أراضيها بمغادرتها قبل انتهاء صلاحية تأشيراتهم، فيما سمحت فقط باستمرار العمل بالتأشيرات الطبية حتى 29 أبريل.

الهند تصعّد دون أدلة.. إجراءات صارمة ضد باكستان بعد هجوم كشمير تثير مخاوف من انفجار إقليمي
الهند

التصعيد لم يتوقف عند الإجراءات القنصلية، إذ أعلنت الهند أيضًا إلغاء الإعفاءات الخاصة الممنوحة بموجب اتفاقية رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، وقررت سحب مستشاريها الدفاعيين من باكستان، وتخفيض عدد موظفي بعثتها في إسلام آباد إلى 30 من أصل 55 موظفًا، فيما أمهلت الدبلوماسيين الباكستانيين أسبوعًا لمغادرة أراضيها بعد اعتبارهم “أشخاصًا غير مرغوب فيهم”.

أجهزة الأمن الهندية تتهم “مقاومة كشمير” دون أدلة واضحة

وفي ظل غياب أدلة موثقة على التورط الباكستاني، تعتقد أجهزة الأمن الهندية أن جماعة تُدعى “مقاومة كشمير” تقف وراء الهجوم. ونشرت الشرطة في الجزء الهندي من كشمير إشعارات تتضمن أسماء ثلاثة مسلحين مشتبه بهم “متورطين” في الحادث، وأعلنت عن مكافآت مالية مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقالهم.

وجاء في الإشعارات أن اثنين من المشتبه بهم الثلاثة مواطنان باكستانيان، دون أن توضح السلطات كيفية تحديد هويتهما أو تقديم مستندات تثبت صحة هذا الادعاء.

وقال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري، الأربعاء، إن لجنة وزارية أمنية أطلعت على التحقيقات بشأن الهجوم، الذي يُعد الأسوأ على المدنيين في البلاد منذ ما يقرب من عقدين. لكنه، رغم تصعيده في الخطاب، لم يقدم أي دليل على وجود روابط مباشرة بين المنفذين وباكستان، ولم يذكر تفاصيل إضافية عن طبيعة التحقيقات أو مراحلها.

الهند تصعّد دون أدلة.. إجراءات صارمة ضد باكستان بعد هجوم كشمير تثير مخاوف من انفجار إقليمي

ردود نارية وتحذيرات باكستانية
جاء الرد الباكستاني سريعًا، حيث أعلنت الحكومة في إسلام آباد إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وقررت تعليق جميع أشكال التبادل التجاري مع الهند، بما يشمل المرور عبر أراضيها إلى دولة ثالثة. كما قررت خفض عدد موظفي البعثة الدبلوماسية الهندية في باكستان إلى 30 شخصًا، وأعلنت أن جميع مستشاري الدفاع الهنود أصبحوا غير مرحب بهم، وطلبت منهم المغادرة قبل نهاية أبريل.

ورأت الحكومة الباكستانية أن “الإجراءات الهندية أحادية الجانب وغير عادلة وذات دوافع سياسية”، مشيرة إلى أن “رواية نيودلهي المتكررة لا يمكنها أن تحجب مسؤوليتها عن إذكاء التوترات في المنطقة”. كما حذرت من أن أي محاولة هندية لعرقلة تدفق المياه إلى باكستان ستُعد بمثابة “عمل حربي”، مهددة بتعليق كافة الاتفاقيات الثنائية، بما فيها معاهدة نهر السند.

تصعيد داخلي بلغة خارجية
في خطاب عاطفي ألقاه بولاية بيهار، توعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بـ”ملاحقة الإرهابيين وداعميهم حتى آخر الأرض”، دون الإشارة صراحة إلى باكستان، لكنه أرسل رسائل واضحة للجمهور الهندي عن نهج أكثر صرامة في التعامل مع التهديدات عبر الحدود. كما دعا إلى عقد اجتماع لجميع الأحزاب السياسية لإطلاعها على رد الحكومة.

وفي السياق ذاته، صرّح وزير الدفاع الهندي، راجناث سينج، بأن الرد الهندي لن يقتصر على المهاجمين بل “سيطال من خطط ونفذ ودعم من خلف الكواليس”.

الهند تصعّد دون أدلة.. إجراءات صارمة ضد باكستان بعد هجوم كشمير تثير مخاوف من انفجار إقليمي
الهند

توتر متصاعد ومخاوف من انفجار إقليمي
الهجوم الذي وقع في منطقة باهالجام ذات الطبيعة السياحية في كشمير، أعاد إلى الواجهة واحدًا من أكثر النزاعات تعقيدًا في جنوب آسيا، وفتح الباب مجددًا أمام سيناريوهات الصدام بين الهند وباكستان، خاصة في ظل تعليق معاهدة مياه نهر السند التي تعود لعام 1960، والتي حافظت على الاستقرار المائي بين البلدين رغم اندلاع حروب وتوترات سابقة.

ويرى مراقبون أن التصعيد الهندي الحالي، خاصة في ظل غياب أدلة قاطعة، قد يكون مدفوعًا بأهداف سياسية داخلية، لا سيما أن الحكومة الهندية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا تسعى إلى ترسيخ صورة الحزم في مواجهة “التهديدات الخارجية”، فيما تحذر أطراف دولية من أن تدهور العلاقات بين القوتين النوويتين قد يؤدي إلى تداعيات كارثية تتجاوز حدود الإقليم.

الهند تصعّد دون أدلة.. إجراءات صارمة ضد باكستان بعد هجوم كشمير تثير مخاوف من انفجار إقليمي
الهند

في خلفية المشهد.. كشمير تشتعل من جديد
منذ أن ألغت الهند في عام 2019 الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير، والهدوء الهش الذي أعقب القرار لم يكن إلا قشرة رقيقة فوق نار متقدة، حيث تراجعت وتيرة العنف لفترة، لكن جذور النزاع ظلت حاضرة، وحادث كشمير الأخير أعاد تأجيجها. فقد قُتل عشرات الآلاف في النزاع على الإقليم منذ اندلاع الانتفاضة في 1989، ومع كل تصعيد، يزداد العبء على المدنيين الكشميريين، الذين يدفعون الثمن الأكبر بين جدران صراع لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.

وفي وقت تستمر فيه التهديدات والتصريحات النارية من الجانبين، تُطرح تساؤلات جدية حول مصير العلاقات بين الهند وباكستان، وما إذا كانت المنطقة مقبلة على مواجهة جديدة قد تكون هذه المرة أكثر خطورة من سابقاتها، خصوصًا في ظل غياب قنوات دبلوماسية فاعلة ووسط تصعيد غير مسبوق… بلا أدلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى