القفزة الذهبية للمغرب.. منتخب أسود الأطلسي من من قمة القارة إلى زعامة العالم

في السنوات الأخيرة، لم تعد كرة القدم المغربية مجرد قصة نجاح إقليمية، بل تحولت إلى ظاهرة عالمية لافتة، تستحق الدراسة. فما بين التتويجات القارية غير المسبوقة والإنجازات العالمية المتتالية، أثبتت المنظومة الكروية في المملكة أنها تمتلك وصفة متكاملة تجمع بين التخطيط الاستراتيجي، والاحترافية العالية، والهوية الفنية الواضحة، ليصبح المغرب نموذجًا يُحتذى به في بناء المنتخبات الوطنية وصناعة الأجيال المتعاقبة من المواهب القادرة على المنافسة في أعلى المستويات.
صعود لا يتوقف.. سلسلة الإنجازات المغربية المتلاحقة
بدأ مسلسل الإنجازات المغربية في التصاعد مع تتويج “أسود الأطلس” بلقب كأس إفريقيا للمحليين عام 2018، وإعادته في 2020 و 2024، مؤكدين هيمنتهم على البطولة وامتلاكهم لقاعدة صلبة من اللاعبين في الدوري المحلي. لكن عام 2022 شكل نقطة التحول التاريخية، حين حقق المنتخب الأول إنجازًا غير مسبوق بوصوله إلى دور نصف النهائي في كأس العالم بقطر، محتلاً المركز الرابع كأول منتخب إفريقي وعربي يلامس هذه القمة. انتصارات المغرب في المونديال على منتخبات عملاقة مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال كانت بمثابة إعلان رسمي للعالم عن ميلاد مشروع كروي جديد.
واستمر زخم الإنجازات في عام 2023 بتتويج منتخب تحت 23 عامًا ببطولة كأس إفريقيا، وحصد المنتخب الأولمبي الميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية لعام 2024 بعد أداء بطولي لافت. لكن ذروة هذا “الجيل الذهبي” تجلت في عام 2025، حيث توّج منتخب الناشئين بكأس إفريقيا تحت 17 عامًا، قبل أن يختتم منتخب الشباب هذه السلسلة بـإنجاز تاريخي غير مسبوق، تمثل في التتويج ببطولة كأس العالم للشباب، مُعلنًا رسميًا ميلاد جيل جديد يحمل راية الكرة المغربية إلى العالمية.
تتويج عالمي مستحق.. “أسود الأطلس” تسحق عمالقة العالم
لم يكن الفوز بلقب كأس العالم للشباب نزهة، بل جاء بعد ملحمة كروية، خاصة وأن “أسود الأطلس” وجدوا أنفسهم في “مجموعة الموت” بالدور الأول، إلى جانب البرازيل بطلة أمريكا الجنوبية وإسبانيا بطلة أوروبا. نجح المغرب في تصدر المجموعة بعد الانتصار على البرازيل ثم على إسبانيا، قبل أن يضمن التأهل ويكتفي بخسارة أمام المكسيك بالفريق الثاني.
في الأدوار الإقصائية، واصل المغرب تألقه اللافت، حيث أقصى كوريا الجنوبية في دور ثمن النهائي، ثم حقق فوزًا مستحقًا على منتخب الولايات المتحدة في ربع النهائي، قبل أن يتغلب على فرنسا، وصيفة أوروبا، في نصف النهائي. وفي المباراة النهائية، واجه المنتخب المغربي الأرجنتين، وصيفة أمريكا الجنوبية والمرشح الأقوى للقب، لينجح في حسم اللقب العالمي الأول في تاريخه بثنائية نظيفة.
إحصائيات البطولة تؤكد استحقاق المغرب للقب، حيث حقق 6 انتصارات مقابل هزيمة واحدة فقط بالفريق الثاني، وسجل 12 هدفًا وتلقى 5 فقط. كما صنع 13 فرصة محققة للتسجيل، وحقق معدل استرجاع للكرة تجاوز 41 كرة في المباراة الواحدة، وهو ما يعكس القوة الدفاعية والروح القتالية العالية التي ميزت اللاعبين طوال مشوار المونديال.
نجوم سطعوا في سماء العالمية: أفضل لاعب في العالم وظاهرة “الفاكهة”
شهدت البطولة تألقًا فرديًا استثنائيًا للاعبي المنتخب المغربي. على الصعيد الدفاعي، برز الظهير الأيسر فؤاد الزهواني كأكثر اللاعبين افتكاكًا للكرة في البطولة (13 افتكاكًا)، فيما كان الظهير الأيمن علي معمر الأكثر قيامًا بالتدخلات الدفاعية (27 تدخلاً). أما المدافع إسماعيل باعوف فقد حقق رقمًا استثنائيًا حين أصبح اللاعب الوحيد في البطولة الذي لم يتعرض للمراوغة على الإطلاق، رغم مشاركته في كل الدقائق.
لكن الأضواء كلها سُلطت على الثنائي الهجومي: صانع الألعاب عثمان معما والمهاجم ياسر الزبيري.
• عثمان معما (أفضل لاعب في العالم): نال معما جائزة أفضل لاعب في كأس العالم للشباب بعد أداء فني مدهش جمع بين الرؤية والمهارة والفاعلية. كان أكثر اللاعبين صناعة للأهداف بـ4 تمريرات حاسمة، وصنع 5 فرص محققة للتسجيل، ونجح في 20 مراوغة، محققًا أعلى معدل تقييم في المنتخب بـ7.41.
• ياسر الزبيري (فاكهة المونديال): قدم المهاجم ياسر الزبيري أداءً استثنائيًا، مسجلاً 5 أهداف من 5 تسديدات على المرمى (بنسبة ترجمة بلغت 33%). سجل الزبيري هدفًا أمام إسبانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية، وثنائية أمام الأرجنتين في النهائي. كما تسبب في ثلاثة أهداف عكسية، ليصبح العنصر الهجومي الأبرز. الأهم، أن الزبيري بات ثالث لاعب إفريقي يسجل في نهائي كأس العالم تحت عشرين عامًا عبر التاريخ، ليُعيد كتابة التاريخ بعد عشرين عامًا بالضبط وأمام الخصم نفسه (الأرجنتين).
مغرب قاهر العمالقة.. تأكيد الهيمنة العالمية
سلسلة الانتصارات المغربية لم تتوقف عند منتخب الشباب، بل امتدت لتؤكد أن الكرة المغربية باتت تنافس على القمة العالمية بجميع فئاتها. فخلال السنوات الأخيرة، حققت المنتخبات المغربية انتصارات تاريخية على كبار المنتخبات العالمية:
المنتخب المغربي الخصم البطولة النتيجة
المنتخب الأول (2022) بلجيكا كأس العالم 2-0
المنتخب الأول (2022) إسبانيا كأس العالم فوز بركلات الترجيح
المنتخب الأول (2022) البرتغال كأس العالم 1-0
المنتخب الأولمبي الأرجنتين الألعاب الأولمبية 2-1
منتخب الشباب إسبانيا كأس العالم للشباب 2-0
منتخب الشباب البرازيل كأس العالم للشباب 2-1
منتخب الشباب فرنسا كأس العالم للشباب فوز بركلات الترجيح
منتخب الشباب الأرجنتين كأس العالم للشباب 2-0 (النهائي)
هذه السلسلة من الانتصارات على عمالقة أوروبا وأمريكا اللاتينية تُثبت أن نجاح الكرة المغربية لم يكن أبدًا صدفة عابرة، بل نتيجة عملٍ متكامل، ورؤيةٍ واضحة، ورغبة جامحة في الاستثمار في البنية التحتية والكوادر الفنية واللاعبين الشباب، وهو ما أسس لـ”القفزة الذهبية” التي وضعت المغرب رسميًا على خريطة الزعامة الكروية العالمية.



