القافلة 31.. مصر تواصل شريان الحياة إلى غزة رغم التعنت الإسرائيلي

في وقت يئن فيه قطاع غزة تحت وطأة حرب إبادة ممتدة منذ أكتوبر 2023، لا تزال مصر تسابق الزمن لإبقاء شريان الحياة مفتوحًا أمام سكان القطاع المحاصر، عبر قوافل المساعدات الإنسانية التي تنطلق تباعًا من معبر رفح، لتؤكد أن القاهرة لم تتخل يومًا عن مسؤوليتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
صباح الأحد، شقّت القافلة 31 طريقها من الجانب المصري إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرق القطاع، محمّلةً بآلاف الأطنان من المواد الغذائية الأساسية وحليب الأطفال، ضمن مبادرة “زاد العزة.. من مصر إلى غزة” التي تحولت منذ انطلاقها في يوليو الماضي إلى مظلة كبرى لجهود الإغاثة المصرية والعربية والدولية.
الهلال الأحمر.. الحارس على البوابة
تحت إشراف الهلال الأحمر المصري، المنوط بتنسيق دخول المساعدات، تواصل فرق المتطوعين عملها على مدار الساعة. أكثر من 35 ألف متطوع توزعوا بين مخازن التحميل ونقاط الاستقبال والحدود، حيث يصف أحدهم المشهد قائلًا: “نحن لا نحمل فقط صناديق غذاء ودواء.. نحن نحمل حياة كاملة لأناس محاصرين ينتظرون هذه الشاحنات كما ينتظر الغريق طوق النجاة”.
المستودعات المصرية تضم آلاف الأطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، جاهزة للانطلاق، لكن ما يعوق هذه الجهود هو التعنت الإسرائيلي المستمر، الذي يحوّل كل عملية إدخال إلى معركة تفاوض وضغط، وفق ما يؤكده العاملون على الأرض.
“زاد العزة”.. مبادرة بأبعاد إنسانية وسياسية
حين انطلقت المبادرة في 27 يوليو الماضي، لم يكن الهدف مجرد إرسال شاحنات محملة بالدقيق والدواء، بل ترسيخ رسالة واضحة بأن مصر لن تسمح بترك غزة تواجه الجوع والموت وحدها.
ومنذ ذلك الحين، عبرت مئات القوافل التي حملت على متنها كل ما يمكن أن يسد رمق العائلات النازحة: من سلاسل الإمداد الغذائية وألبان الأطفال، إلى المستلزمات الطبية والوقود الذي يُبقي المستشفيات قيد العمل.
مجاعة من صنع البشر
لكن، ورغم هذا التدفق المستمر، لا يزال الواقع داخل غزة كارثيًا. فبحسب فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، “المجاعة لم تعد مجرد تحذير، بل أصبحت حقيقة من صنع البشر”.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، شدد لازاريني على أن التحذيرات التي استمرت شهورًا لم تجد آذانًا صاغية، وأن القصف الإسرائيلي المستمر يعرقل أي محاولة لإنقاذ المدنيين الذين باتوا “يموتون صمتًا بسبب الجوع”.
حصار يقتل بلا سلاح
الإحصاءات القادمة من غزة صادمة: أكثر من 202 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من 9 آلاف مفقود، فيما يعيش نحو 1.5 مليون إنسان بلا مأوى بعد أن دمرت منازلهم.
وبينما تسعى مصر لإيصال المساعدات، يظل الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصارًا خانقًا يحول دون وصول الإغاثة بالسرعة والكثافة المطلوبة.
القافلة 31.. رمز للصمود
في هذا المشهد المأساوي، تأتي القافلة 31 لتشكل علامة فارقة في ملحمة الصمود والإغاثة. فهي ليست مجرد شاحنات محملة بالطعام، بل تجسيد لعزيمة مصرية متواصلة على كسر الحصار بالوسائل الإنسانية الممكنة.
وبينما تمضي الحرب في حصد أرواح الأبرياء، تظل قوافل “زاد العزة” بمثابة صرخة في وجه الموت، ورسالة بأن غزة ليست وحدها، وأن شريان الحياة، مهما ضاق، سيبقى نابضًا بالإرادة.