الصين تستحضر ذاكرة النصر على الفاشية.. عرض مهيب يرسم ملامح قوة عالمية صاعدة

في قلب بكين، وعلى أرض ساحة “تيان آن من” التي شهدت عبر عقود أهم التحولات في تاريخ الصين الحديث، قدمت بكين مشهدًا استثنائيًا في الذكرى الثمانين لانتصارها على اليابان والحرب العالمية الثانية ضد الفاشية.
ولم يكن الحدث مجرد احتفالية عسكرية، بل لوحة سياسية وثقافية متكاملة، تعكس كيف تصوغ الصين حاضرها ومستقبلها انطلاقًا من جذور تاريخية ممتدة.
حضور دولي يعكس ثقل بكين
الاحتفال الذي قاده الرئيس الصيني شي جين بينج اكتسب بُعدًا استثنائيًا بحضور قادة ورؤساء حكومات 24 دولة، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
وهذا الحضور الدولي أكد أن بكين باتت مركز جذب سياسي على الساحة العالمية، وأنها قادرة على حشد أصدقائها وشركائها في لحظة رمزية تستعرض فيها قوتها وإنجازاتها.
أسلحة تكشف ملامح المستقبل
لأول مرة، كشفت الصين عن ترسانتها الحديثة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والأنظمة الدفاعية، في استعراض عسكري حمل رسائل واضحة للداخل والخارج.
فالاحتفال لم يكن فقط استدعاءً لذاكرة النصر في 1945، بل إعلانًا عن جاهزية الصين لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وترسيخ صورتها كقوة عظمى قادرة على حماية مصالحها.
صدى ماو في خطاب شي
ألقى الرئيس شي جين بينج خطابًا اتسم بالرمزية والعمق، استحضر خلاله عبارات وقصائد الزعيم التاريخي ماو تسي تونج.
وهذه العودة إلى أدبيات ماو لم تكن مجرد لمسة تاريخية، بل تأكيد على أن النهضة الصينية الحديثة ليست قطيعة مع الماضي، بل استمرار لمسار طويل من الكفاح والصمود.
واستخدام الشعر والاقتباسات منح الخطاب بعدًا وجدانيًا أعاد للأذهان روح التحدي التي صنعت مجد الأمة.
قدامى المحاربين: جسر بين الأجيال
في مشهد إنساني مؤثر، شارك قدامى المحاربين الذين خاضوا غمار الحرب ضد اليابان في العرض العسكري، حيث مروا أمام المنصة الرسمية والجماهير في الساحة.
وهذا الحضور لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا، بل تأكيدًا على أن تضحيات الماضي هي الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الحاضر، ورسالة موجهة للأجيال الجديدة حول معنى الوطنية والوفاء.
رمزية “1945” و”2025″
حتى تفاصيل العرض لم تخلُ من الرمزية العميقة. فقد زينت مركبات العرض بلوحات ترخيص مميزة تحمل الرمز “VA 01945″، في إشارة إلى عام النصر التاريخي. وعلى المنصات الرقمية الصينية، تداول رواد الإنترنت تعليقًا لافتًا: “عام 1945 يمثل البداية الخالدة، وعام 2025 يجسد رحلة المستقبل وحلم التجديد”.
وفي هذا المزج بين الأمس والغد، تبدو الصين وكأنها تؤكد أن طريقها إلى التحديث لا ينفصل عن ذاكرتها الوطنية.
رسائل للعالم
لم يكن العرض المهيب مجرد احتفال داخلي، بل رسالة موجهة للعالم: أن الصين، وهي تحتفل بماضيها البطولي، ترسخ لنفسها موقعًا في الحاضر كقوة لا يمكن تجاهلها.
والرسالة الأولى تمثلت في تأكيد استقلالية القرار الصيني بعيدًا عن النماذج الغربية، والثانية في إبراز قدرتها العسكرية المتطورة، والثالثة في تأكيد قيم التضحية والوحدة التي تسعى بكين إلى تصديرها كجزء من قوتها الناعمة.
وفي لحظة تجمع بين ذاكرة الحرب العالمية الثانية وطموحات القرن الحادي والعشرين، بدا العرض وكأنه إعلان صيني جديد، أن أمةً استطاعت أن تنهض من ركام الاحتلال والدمار، قادرة على أن تقود العالم نحو مرحلة مختلفة من التوازنات الدولية.