تقارير وتحليلات

السيسي بين أزمة غزة وحماية الأمن القومي.. ردًّا على أكاذيب الإخوان وأوهام المزايدين

يدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي أن التاريخ لا يرحم، وأن القادة يُحاكمون أمام صفحاته بأفعالهم لا بأقوالهم، فهو يعلم أن كل قرار يتخذه اليوم سيكون شهادة للأجيال القادمة، وأن مسؤولية القيادة تفرض عليه اتخاذ قرارات مصيرية تحمي الأمن القومي المصري وتصون مصالح البلاد من أي تهديدات، سواء أكانت داخلية أم خارجية.

ومن هذا المنطلق، لم يكن يومًا رئيسًا يُملى عليه أو يسمح بأن تختزل المصالح الاستراتيجية لمصر في حسابات ضيقة أو ضغوط مؤقتة، بل كان دائمًا صاحب رؤية متكاملة تُوازن بين ضرورات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وتضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

غزة.. ملف يتجاوز الوساطة إلى معادلة الأمن القومي
في ظل التطورات المتلاحقة في قطاع غزة، يدرك السيسي أن هذا الملف ليس مجرد أزمة عابرة أو شأنًا داخليًا فلسطينيًا، بل هو قضية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي المصري.

فمنذ تصاعد الأحداث في القطاع، كانت القاهرة في قلب المعادلة، ليس فقط باعتبارها طرفًا رئيسيًا في جهود التهدئة، بل لأنها أكثر الدول تأثرًا بما يجري هناك، نظرًا للروابط التاريخية والجغرافية التي تجمعها مع غزة، فضلًا عن انعكاسات الوضع هناك على استقرار سيناء وحدود مصر الشرقية.

ولهذا، حرصت القيادة المصرية على توجيه رسالة واضحة إلى جميع الأطراف الدولية والإقليمية مفادها أن مصر ليست مجرد وسيط تقليدي، بل طرف معني بشكل مباشر بما يحدث، ولن تقبل بأي حلول تُفرض عليها أو تُهدد استقرارها أو تُنتقص من سيادتها بأي شكل من الأشكال.

فمنذ بداية الأزمة، كانت القاهرة تتحرك بدبلوماسية فاعلة لتخفيف معاناة الفلسطينيين، مع التأكيد على أن أي حل لا بد أن يراعي الثوابت المصرية، وأهمها رفض تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم أو فرض واقع جديد يخلّ بالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة.

الإخوان والمزايدون.. أكاذيب مكررة وتجاهل للواقع
ورغم وضوح الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، ومحاولات السيسي الدؤوبة لحماية الأمن القومي المصري والفلسطيني على حد سواء، لم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلفها الملايين من أنصارها الذين لا يملكون فهمًا عميقًا بالسياسة، عن شنّ حملات التشويه والتضليل.

فتارة يروجون لمزاعم بأن السيسي تخلى عن غزة، وتارة أخرى يزعمون أنه منبطح أمام القوى العالمية، متجاهلين الحقائق على الأرض والدور المحوري الذي تلعبه مصر في إدارة الملف الفلسطيني.

وتعتمد الجماعة في حملاتها على خطاب عاطفي يفتقد إلى أدنى درجات الوعي السياسي والاستراتيجي، حيث تحاول تصوير المشهد وكأن القضية تُحل بالشعارات الجوفاء لا بالدبلوماسية والضغوط السياسية.

لكن الواقع يؤكد أن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بقنوات اتصال مع جميع الأطراف، وتستخدم ثقلها السياسي والدبلوماسي لضمان عدم تصفية القضية الفلسطينية أو فرض حلول لا تخدم الفلسطينيين أنفسهم.

اتفاقية السلام.. معادلة متحركة وليست وثيقة جامدة
على صعيد آخر، يدرك الرئيس السيسي أن اتفاقية السلام مع إسرائيل، التي وُقعت قبل أكثر من أربعة عقود، ليست وثيقة جامدة تُقرأ بمعزل عن الواقع، بل هي معادلة استراتيجية دقيقة تفرض على الطرفين الالتزام بتوازن المصالح والحقوق.

ومن هذا المنطلق، وجّهت مصر تحذيرات غير مباشرة مفادها أن أي مساس ببند من بنود الاتفاقية قد يدفع القاهرة إلى إعادة النظر في مجمل العلاقات، خاصة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الأراضي الفلسطينية، ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها.

ولطالما أكدت القيادة المصرية أن مصر، بثقلها التاريخي والجغرافي، ليست دولة تُفرض عليها الإملاءات، ولا يمكن التعامل معها كطرف هامشي في معادلة المنطقة.

فكما كانت القاهرة دائمًا ركيزة أساسية في صنع السلام، فإنها في الوقت ذاته قادرة على حماية مصالحها الوطنية، وعدم السماح لأي طرف باستغلال الأوضاع لتحقيق أجندات خاصة على حساب استقرار الإقليم.

سياسة مصر الخارجية.. توازن بين القوة والدبلوماسية
منذ تولي الرئيس السيسي المسؤولية، انتهجت مصر سياسة خارجية ترتكز على تحقيق التوازن بين القوة والدبلوماسية، فبينما عززت قدراتها العسكرية لتأمين حدودها من أي تهديدات، كانت القاهرة في الوقت ذاته لاعبًا رئيسيًا في إدارة الأزمات الإقليمية، سواء في القضية الفلسطينية أو الملف الليبي أو أزمة سد النهضة.

وقد نجحت مصر في ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة، قادرة على فرض رؤيتها في القضايا المصيرية، دون الدخول في مغامرات غير محسوبة أو تقديم تنازلات تمس الأمن القومي.

فالمعادلة التي يضعها السيسي نصب عينيه هي أن الدولة القوية ليست فقط من تمتلك السلاح، ولكن أيضًا من تمتلك القدرة على استخدام أدواتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بحكمة، بما يضمن تحقيق مصالحها الاستراتيجية دون الدخول في صدامات غير ضرورية.

استراتيجية دفاعية تحمي القرار الوطني
إن ما يميز النهج الذي يتبعه الرئيس السيسي هو حرصه الدائم على تحصين القرار الوطني من أي تدخلات خارجية، ورفضه القاطع لأي ضغوط تحاول التأثير على استقلالية الموقف المصري.

فقد برهن أكثر من مرة أن مصر دولة ذات سيادة، لا تقبل أن تكون طرفًا تابعًا في أي معادلة، بل تسعى دائمًا إلى صياغة مواقفها وفقًا لرؤيتها ومصالحها، دون الانجرار وراء حسابات الآخرين.

ورغم ذلك، لا تزال الجماعات المأجورة والمزايدون السياسيون يحاولون تضليل الرأي العام بمزاعم واهية لا تمت للواقع بصلة.

لكن الحقائق تبقى أقوى من الأكاذيب، والتاريخ يسجل دائمًا من يعمل بصدق لصالح وطنه ومن يبيع الأوهام للناس لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة.

وبينما تواجه مصر تحديات إقليمية ودولية معقدة، يظل نهج السيسي في الحكم قائمًا على معادلة واضحة: تحقيق التوازن بين ضرورات التاريخ وإكراهات الحاضر، واتخاذ القرارات التي تضمن بقاء مصر قوة محورية في المنطقة، قادرة على الدفاع عن حقوقها، والتعامل مع التحديات بعقلانية وحنكة سياسية، دون أن تخشى أحدًا أو تتنازل عن مصالحها الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى