الحرائق تلتهم إسرائيل.. حكومة الاحتلال تعلن الطوارئ وتطلب مساعدات دولية عاجلة

في مشهد غير مسبوق تزامن مع ما تسميه إسرائيل “يوم الاستقلال”، أُعلن، اليوم الأربعاء، عن إلغاء جميع الفعاليات الرسمية للاحتفال، في ظل اشتعال حرائق هائلة بين مدينتي القدس المحتلة وتل أبيب، أدت إلى إخلاء مستوطنات ومناطق واسعة، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع بسبب ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح.

ووفقًا للقناة 12 العبرية، تم إخلاء مستوطنات “بيت مائير”، و”إشتاؤول”، و”إلعاد”، و”مشمار إيالون”، و”مافو حورون”، بعد أن امتدت النيران إلى أحراشها ومحيطها. وقالت هيئة الأرصاد الإسرائيلية إن الظروف المناخية الحالية تنذر باستمرار انتشار الحرائق خلال الساعات المقبلة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتابع تطورات الوضع من مكتبه في القدس المحتلة، ويجري تقييمات أمنية متواصلة بالتعاون مع وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، وأجهزة الأمن والإنقاذ. وقال في منشور على “إكس”: “نعمل بكل ما أوتينا من قوة لحماية أرواح المواطنين والسيطرة على الحريق”.

في الوقت نفسه، أمر بن جفير وحدات الاستجابة للطوارئ بالانتشار ميدانيًا، مشيرًا إلى وجود مؤشرات على أن بعض الحرائق قد تكون “هجمات حرق متعمد”، وهو ما لم تؤكده الأجهزة الأمنية التي أشارت إلى أن التحقيقات لا تزال جارية عبر جهاز الأمن العام (الشاباك).
حالة طوارئ ومساعدات أجنبية
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حالة “الطوارئ الوطنية”، وأمر بنشر وحدات من الجيش لمساندة فرق الإطفاء، في وقت أكدت فيه القناة السابعة العبرية أن هناك استعدادات لهبوط طائرات إطفاء أجنبية في قواعد سلاح الجو.
وطلبت الحكومة مساعدات عاجلة من عدة دول، بينها اليونان وإيطاليا وكرواتيا وقبرص، وأعلنت رومانيا عن إرسال طائرتين، كما أكدت دول أخرى بينها إسبانيا وفرنسا وأوكرانيا استعدادها للمساعدة.
مناطق مغلقة وخسائر هائلة
من جانبه، أصدر الصندوق القومي اليهودي (KKL) قرارًا بمنع الدخول إلى عدد كبير من الغابات والمتنزهات، بينها “إشتول” و”كندا” و”بن شيمن” و”إيلاد” و”شورش”، بسبب خطورة الوضع وصعوبة عمليات الإطفاء.

ووفق تقديرات أولية للصندوق، فإن الحرائق التهمت أكثر من 11,700 دونم منذ صباح الأربعاء، بما في ذلك معظم غابة “كندا” وأجزاء واسعة من “إشتول” و”عنابة” و”طريق بورما”. وأكدت تقارير أن النيران وصلت إلى الطريق السريع 38 واتجهت نحو مناطق حيوية مثل “اللطرون” و”ميفو حورون”.
إجراءات استثنائية وخطط دفاعية عاجلة
اعتمدت فرق الإطفاء استراتيجية إنشاء خطوط عازلة لمنع امتداد الحرائق إلى مستوطنات القدس، مثل “ناتاف” و”ياد حشمونا” و”شورش”، بمشاركة أكثر من 100 عامل و9 سيارات إطفاء من الصندوق القومي.
واستخدم الجيش طائرات من طراز “شمشون” لإسقاط مواد مثبطة للهب، إلى جانب 163 طاقم إطفاء و21 مركبة رباعية الدفع، على أن تنضم 12 طائرة أخرى إلى جهود الإطفاء صباح الخميس.
وأُصيب نحو 20 شخصًا نتيجة استنشاق الدخان، بينهم 10 نُقلوا إلى مستشفى “آساف هروفيه”، فيما أصيب 12 رجل إطفاء بجروح طفيفة. كما توقفت حركة القطارات بين “أشدود” و”عسقلان”، وتم إخلاء الركاب احترازيًا.
حرائق غير مسبوقة تكشف هشاشة منظومة الطوارئ الإسرائيلية
تسلّط هذه الكارثة الطبيعية الضوء على محدودية الجاهزية الإسرائيلية في التعامل مع حالات الطوارئ. فعلى الرغم من الخطط التي طالما روجت لها الحكومات المتعاقبة، كشفت الحرائق عن ثغرات كبيرة في الاستجابة السريعة، لا سيما أن الإخلاء تم بشكل ارتجالي، وتطلب الأمر تدخلاً عسكريًا وطلب مساعدات خارجية، ما يطرح تساؤلات حول أولويات الدولة بين الإنفاق العسكري والاستعدادات المدنية.

اتهامات سياسية ومحاولات توظيف أمني للأزمة
رغم عدم وجود أدلة حاسمة على أن الحرائق بفعل فاعل، سارعت شخصيات بارزة مثل بن جفير إلى توجيه الاتهام للقوميين العرب، في إطار خطاب أمني يعكس توجهاً متزايداً نحو عسكرة الأزمات. هذا الطرح قد يُستخدم لاحقًا لتبرير تصعيد الإجراءات الأمنية في المناطق العربية أو لتقييد الحريات بحجة “الخطر الداخلي”.
إلغاء الاحتفالات بيوم “الاستقلال”.. رمزية معكوسة لذكرى النكبة
أكثر ما أثار الانتباه في هذه الحرائق أنها تزامنت مع إحياء إسرائيل لما يُعرف بـ”يوم الاستقلال”، في حين يحيي الفلسطينيون في التوقيت ذاته ذكرى “النكبة”. هذا التزامن المأساوي أعاد إلى الأذهان مفارقة التاريخ، إذ تشتعل النيران في غابات زُرعت على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، وتُلغى احتفالات “الاستقلال” وسط مشهد من الفوضى والخسائر والذعر.
العجز الداخلي يقابله استعانة خارجية
ورغم امتلاك إسرائيل واحدة من أقوى الجيوش في المنطقة، اضطرت إلى الاستعانة بدول أوروبية لإخماد النيران، ما يطرح علامات استفهام حول أولويات الاستثمار العام في الدولة. وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة داخليًا، قد تشكل هذه الحرائق عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة وتثير موجة من الانتقادات السياسية والاجتماعية.
كارثة بيئية طويلة الأمد
الحرائق التهمت مساحات شاسعة من الغابات والأحراش، ما يهدد التوازن البيئي في مناطق جبال القدس. وتشير تقديرات أولية إلى أن عملية إعادة تأهيل هذه المناطق قد تستغرق سنوات، في ظل فقدان مساحات خضراء تعتبر من أكبر المتنفسات الطبيعية في المنطقة، فضلًا عن الضرر على التنوع البيولوجي وتهديد الأمن الغذائي المحلي.