إسرائيل تفرض عقوبات خانقة على مليوني فلسطيني في غزة.. أبرزها قطع الكهرباء وحظر المساعدات

في تصعيد خطير يعكس سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فرضت حكومة الاحتلال سلسلة من الإجراءات القاسية التي تعمّق الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر. وتشمل هذه الإجراءات قطع إمدادات الكهرباء والمياه، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وتأتي هذه الخطوات في إطار استراتيجية تهدف إلى زيادة الضغط على سكان القطاع، في وقتٍ تتفاقم فيه الأوضاع المعيشية والصحية إلى مستويات غير مسبوقة.
قطع الكهرباء.. غزة تغرق في الظلام
في قرار أثار جدلاً واسعًا، أصدر وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين أوامر بوقف إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة، رغم التحذيرات الصادرة عن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن مثل هذه الخطوة قد تعرض حياة المحتجزين الإسرائيليين في القطاع للخطر.
ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، لم يكن القرار نتيجة مداولات رسمية داخل الحكومة، بل جاء كجزء من سلسلة من الإجراءات العقابية ضد غزة، وسط بحث إمكانية اتخاذ خطوات أخرى، مثل قطع إمدادات المياه تدريجيًا، بدءًا من شمال القطاع.
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، أوقفت إسرائيل إمدادات الكهرباء بالكامل تقريبًا، باستثناء خط “القلعة” الذي يغذي محطات تحلية المياه، في حين دُمرت معظم الخطوط العشرة التي كانت تزود القطاع بالكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي.
ومع توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل نتيجة نفاد الوقود، بات سكان غزة يعتمدون بشكل أساسي على المولدات الكهربائية، التي تعمل لساعات محدودة يوميًا، مما أدى إلى شلل شبه كامل في مختلف القطاعات، خاصة المستشفيات والمراكز الصحية.
أزمة مياه خانقة.. تهديد مباشر للحياة
أدى قطع الكهرباء إلى تعطل محطات تحلية المياه، ما تسبب في تفاقم أزمة المياه في القطاع. وأعلنت بلدية دير البلح أن إسرائيل أوقفت الكهرباء عن محطتين رئيسيتين لتحلية المياه، ما أدى إلى انقطاع المياه عن 70% من سكان المدينة، وهو ما يهدد بحدوث كارثة صحية، وسط تحذيرات منظمات الإغاثة من انتشار الأوبئة نتيجة تلوث المياه.
ورغم ذلك، نفت مصادر إسرائيلية مسؤوليتها عن الأزمة، مدعية أن انقطاع المياه ناتج عن “خلل فني”، وهو ما اعتبره مسؤولون فلسطينيون محاولة مكشوفة للتنصل من المسؤولية عن التداعيات الكارثية لقرار قطع الكهرباء.
ووفقًا لمنظمات الإغاثة، فإن الوقود المتوفر في غزة يكفي لتشغيل المولدات لمدة 45 يومًا فقط، وبعدها ستنهار كافة الخدمات الأساسية، مما يعني أن المستشفيات ومحطات المياه ومراكز الإغاثة ستصبح غير قادرة على تقديم أي خدمات للسكان.
التجويع سلاحٌ إسرائيلي للضغط السياسي
في الأول من مارس، عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستخدام سياسة “التجويع” كورقة ضغط على الفلسطينيين، حيث قررت حكومته وقف دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة، بحجة رفض حماس لمقترح قدمه المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لتمديد وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
وجاء في البيان الرسمي الصادر عن مكتب نتنياهو: “لن نسمح بوقف إطلاق النار دون إطلاق سراح رهائننا، وإذا استمرت حماس في رفضها، ستكون هناك عواقب أخرى”، في إشارة واضحة إلى استمرار التصعيد ضد القطاع.
وفي المقابل، اعتبر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن القرار الإسرائيلي “إعلان حرب تجويع”، مشيرًا إلى أن ما دخل من مساعدات إلى القطاع خلال الأسابيع الماضية لا يغطي احتياجات السكان لأكثر من أسبوع واحد، وسط استمرار الحصار الخانق الذي يمنع وصول المواد الغذائية والأدوية والوقود.
الانسحاب من منظمة الصحة.. تهديد للرعاية الطبية
في خطوة أثارت قلق الأوساط الصحية العالمية، أعلنت إسرائيل نيتها الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص الدعم الطبي لسكان غزة.
ووفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن منظمة الصحة العالمية لعبت دورًا حاسمًا في تقديم الدعم الطبي للقطاع، حيث نفذت مؤخرًا حملة تطعيم ضد شلل الأطفال استهدفت أكثر من 591 ألف طفل، وذلك في محاولة للحد من انتشار الأوبئة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
ويحذر خبراء الصحة من أن انسحاب إسرائيل من المنظمة قد يعقّد عمليات التنسيق لنقل المساعدات الطبية إلى غزة، مما يفاقم الأزمة الصحية التي يعاني منها القطاع نتيجة نقص الأدوية والمعدات الطبية، والضغط الشديد على المستشفيات التي تعمل فوق طاقتها الاستيعابية.
حظر “الأونروا”.. ضربة قاصمة للاجئين الفلسطينيين
في 17 فبراير الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميًا حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية، متذرعة بمزاعم حول ارتباط بعض موظفيها بحركة حماس.
ويُعد هذا القرار بمثابة ضربة قاسية لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني يعتمدون على خدمات الوكالة في مجالات التعليم والصحة والإغاثة الغذائية.
وحذرت الأمم المتحدة من أن تعطيل عمل “أونروا” سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث تعتمد آلاف العائلات على مساعدات الوكالة في توفير الغذاء والدواء والمسكن. كما اعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تأتي ضمن مخطط إسرائيلي طويل الأمد لإنهاء دور الأونروا، باعتبارها أحد الرموز الدولية التي تحفظ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
عواقب وخيمة وتحذيرات دولية
مع استمرار هذه الإجراءات العقابية، تتزايد التحذيرات الدولية من أن سياسات إسرائيل في غزة قد ترقى إلى مستوى “جرائم الحرب”، في ظل استمرار الحصار والتضييق على المدنيين، وغياب أي تحرك دولي جاد لإيقاف هذه الانتهاكات.
وبات واضحًا أن إسرائيل لا تكتفي فقط باستهداف البنية التحتية والمرافق الحيوية في غزة، بل تسعى أيضًا إلى قطع كل سبل الحياة عن سكان القطاع، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية للتدخل ووقف هذه السياسات التي تنذر بكارثة غير مسبوقة.