البرد القارس يهدد سلامة قلبك ويسبب الجلطات المفاجئة.. دليل الوقاية الشامل من “أزمات الشتاء”

مع انزلاق مؤشرات الحرارة نحو مستويات متدنية، وتسلل البرد إلى العظام، تفتح المشافي أبوابها لاستقبال نوع آخر من الضحايا؛ أولئك الذين لم تكن الأنفلونزا أكبر همومهم، بل كانت قلوبهم هي خط الدفاع الأول الذي تعرض للاختراق.
وفي خضم هذه الأجواء، أطلق الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب القومي، صرخة تحذير طبية مدوية، واصفاً الشتاء بأنه “اختبار قسوة” لعضلة القلب، ومؤكداً أن المخاطر التي لا تُرى بالعين المجردة قد تكون هي الأكثر فتكاً.
فسيولوجيا البرد: كيف يحاصر الشتاء دورتك الدموية؟
لا يتعامل الجسم مع البرد كظاهرة مناخية عابرة، بل كحالة طوارئ بيولوجية. يوضح الدكتور جمال شعبان أن انخفاض درجة الحرارة يطلق سلسلة من التفاعلات المعقدة؛ تبدأ بتقلص حاد في الأوعية الدموية الطرفية، وهي آلية دفاعية يائسة من الجسم للحفاظ على حرارة الأعضاء الحيوية.
إلا أن هذا الدفاع له ثمن باهظ؛ فهذا التقلص يرفع ضغط الدم بشكل مفاجئ، ويضع عضلة القلب أمام تحدٍّ مضاعف: ضخ الدم عبر ممرات ضيقة ومقاومة مرتفعة. هذه الحالة تُعرف طبياً بتنشيط “الجهاز العصبي السمبثاوي”، الذي يرفع وتيرة ضربات القلب ويزيد من لزوجة الدم، مما يحول الشرايين التاجية إلى ساحة مهيأة تماماً لاندلاع التجلطات المفاجئة.
“الموسم الذهبي” للجلطات.. عوامل تتجاوز المناخ
لماذا ترتفع معدلات النوبات القلبية في الشتاء تحديداً؟ الإجابة لا تكمن في برودة الجو وحدها، بل في “نمط الحياة الشتوي” الذي وصفه التقرير بالقاتل الصامت.
الخمول والولائم الدسمة: يميل الناس في البرد إلى قلة الحركة وتناول أطعمة غنية بالدهون طلباً للتدفئة، ما يرفع مستويات الكوليسترول والضغط.
خديعة العطش: يقع الكثيرون في فخ إهمال شرب الماء لعدم الشعور بالعطش، وهو ما يؤدي إلى جفاف مستتر يزيد من كثافة الدم ولزوجته، مما يسهل عملية التجلط داخل الأوعية.
الالتهابات التنفسية: لا تكتفي الأنفلونزا والتهابات الحلق بإجهاد الرئتين، بل ترفع من حدة الالتهابات العامة في الجسم (Systemic Inflammation)، والتي قد تكون “الزناد” الذي يفجر ترسبات قديمة في الشرايين، محولةً نزلة برد عادية إلى أزمة قلبية حادة.
الفئات الهشة.. من يواجه العاصفة؟
يشير التقرير إلى أن الخطر لا يتوزع بالتساوي؛ فكبار السن يمثلون الحلقة الأضعف بسبب تراجع قدرة أجسادهم على “التنظيم الحراري” ووجود تاريخ سابق من الأمراض المزمنة. أما الأطفال، فتكمن خطورتهم في سرعة فقدان أجسامهم للحرارة وعدم إدراكهم لمخاطر التعرض المباشر للتيارات الهوائية، مما يجعل قلوبهم الصغيرة تحت ضغط غير مبرر.
بروتوكول الوقاية: نصائح ذهبية من قلب معهد القلب
في ختام تحذيراته، وضع الدكتور جمال شعبان “خارطة طريق” للعبور بسلام من نفق الشتاء المظلم، وتتلخص في النقاط التالية:
سياسة “الطبقات” لا “الأثقال”: ينصح بارتداء عدة طبقات رقيقة من الملابس بدلاً من معطف واحد ثقيل؛ لأن الهواء المحبوس بين الطبقات يعمل كعازل حراري طبيعي.
حماية المداخل الحيوية: التركيز على تغطية الرأس، الأذنين، والرقبة، وهي المناطق المسؤولة عن تسريب الجزء الأكبر من حرارة الجسم.
تجنب “الصدمة الحرارية”: يحذر الدكتور شعبان بشدة من الانتقال المفاجئ من الدفء المنزلي إلى صقيع الشارع، داعياً إلى التدرج في التعرض للهواء البارد.
الماء سلاحك المنسي: ضرورة شرب لترين من الماء يومياً على الأقل، مع الابتعاد التام عن المشروبات الغازية التي تنهك الجهاز الدوري.
إن مواجهة الشتاء ليست مجرد تدفئة للأطراف، بل هي حماية لهذا المحرك النابض في صدورنا. وكما يقول الدكتور شعبان: “الوقاية في الشتاء ليست رفاهية، بل هي ضرورة لضمان ألا يتوقف القلب في فصل الصقيع”.



