تقارير وتحليلات

الاقتصاد الأمريكي يعاني في أول 100 يوم من حكم ترامب.. والأسهم الأمريكية تسجل أسوأ أداء منذ ووترجيت

في علامة استفهام كبرى تهز أركان وول ستريت، أكملت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم (الثلاثاء 29 أبريل 2025) فصلًا جديدًا في تاريخ الأسواق المالية الأمريكية، فبمرور 100 يوم على ولايته الرئاسية الثانية، التي انطلقت في 20 يناير الماضي، تجد الأسواق نفسها في خضم أسوأ أداء لها خلال هذه الفترة الزمنية منذ تداعيات فضيحة ووترجيت السياسية في سبعينيات القرن الماضي.

تفاصيل الأداء الكارثي:
كشفت تقارير صحفية بريطانية، وعلى رأسها صحيفة “ذا تليجراف”، عن صورة قاتمة لأداء البورصة الأمريكية تحت قيادة “ترامب 2.0”. حيث تشير البيانات إلى أن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500)، الذي يعتبر مقياسًا لأداء أكبر 500 شركة أمريكية مدرجة، يتجه نحو تسجيل انخفاض مروع بنسبة 7.9% منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

وهذا الرقم الصادم يمثل أسوأ انطلاقة للأسهم الأمريكية خلال أول 100 يوم لأي رئيس أمريكي منذ تولي جيرالد فورد الرئاسة خلفًا لريتشارد نيكسون في أغسطس 1974.

وتعيدنا الذاكرة إلى تلك الفترة العصيبة، حيث أوضحت إحصائيات “ذا تليجراف” أن المؤشر نفسه شهد انخفاضًا أكبر بلغ 11.8% في الـ 100 يوم التي أعقبت استقالة نيكسون، مما أطلق شرارة واحدة من أطول فترات الركود التي عانت منها أسواق الأسهم الأمريكية، ولم تستعد عافيتها الكاملة إلا في أوائل الثمانينيات خلال عهد الرئيس رونالد ريجان.

مقارنة تبرز التباين الصارخ:

تُظهر بيانات وكالة “بلومبرج” تباينًا حادًا وصارخًا بين الأداء الحالي للأسهم الأمريكية والفترة المماثلة من رئاسة الرئيس السابق جو بايدن. فخلال أول 100 يوم له في منصبه، سجل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ارتفاعًا قويًا بنسبة 10.9%. ووفقًا لـ “بلومبرج”، كان هذا الأداء هو الأفضل منذ رئاسة فرانكلين روزفلت في عام 1933 وإطلاقه لخطة “النيو ديل” الاقتصادية في أعقاب فترة الكساد الكبير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالوضع الحالي يختلف جذريًا أيضًا عن فترة الـ 100 يوم الأولى من الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب في عام 2017، حيث شهدت الأسهم حينها ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 4.6%. هذا التباين الكبير يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحول الدراماتيكي في أداء الأسواق.

غموض السياسات يثير القلق:
يُرجع خبراء الاقتصاد هذا الأداء الهزيل للأسواق إلى حالة الغموض وعدم اليقين التي تكتنف السياسات الاقتصادية والتجارية للإدارة الأمريكية الجديدة. وفي هذا السياق، صرّح لوكا بينديلي، رئيس استراتيجية الاستثمار في مؤسسة “لومبارد أودييه”، لـ “ذا تليجراف” بأن السياسات المتبعة خلال فترة حكم ترامب الحالية تتسم بـ “تقلبات أكبر وعدم القدرة على التنبؤ بها” مقارنة بفترة رئاسته الأولى. ويعزو بينديلي ذلك إلى “الرسائل اليومية التي إما تفتقر إلى التنسيق أو تشهد تغيرات متناقضة”.

ويضيف بينديلي: “كان الجميع يتوقعون نسخة مكررة من ‘ترامب 1.0’، حيث شهدنا تحفيزًا اقتصاديًا تبعته حرب تجارية، لكن ما تبين تحت حكم ‘ترامب 2.0’ هو أن هذا النموذج قد انقلب رأسًا على عقب، وما حصلنا عليه كان حربًا تجارية قبل أي تحفيز اقتصادي – والأسواق لا تزال تنتظر الأخبار الجيدة”.

الرسوم الجمركية تهز الأسواق:
كان للإعلان المفاجئ عن رسوم جمركية جديدة من قبل ترامب في 2 أبريل، والذي وصفه بـ “يوم التحرير”، تأثير مدمر على الأسواق العالمية. فوفقًا لتقديرات شركة “إيه جيه بيل”، أدت هذه الخطوة إلى تبخر ما يقدر بنحو 8.6 تريليون دولار من قيمة المؤشرات العالمية.

إلا أن هذه الخسائر تقلصت لاحقًا إلى حوالي تريليون دولار فقط بعد إعلان ترامب في 9 أبريل عن تعليق معظم الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يومًا، وهو ما ساهم في تحسن مؤقت في أداء المؤشرات في مختلف الأسواق، خاصة في بريطانيا حيث سجل مؤشر “فوتسي 100” في لندن أطول فترة مكاسب منذ أكثر من خمس سنوات، محققًا ارتفاعًا بنسبة تقارب 10%.

بوادر تهدئة مع الصين تمنح بصيص أمل:
من العوامل الإيجابية التي تلوح في الأفق، ظهور بعض المؤشرات على إمكانية تخفيف حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فقد صرّح ترامب بأن بلاده قد تخفض رسومها الجمركية البالغة 145% على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على الرغم من نفي بكين لهذه المزاعم.

وفي السياق ذاته، أكد سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، أن “جميع جوانب” الحكومة الأمريكية على اتصال مع الصين، التي ردت على إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 125% على السلع الأمريكية.
وأعرب “بيسنت” عن “تأكده” من رغبة الصين في تهدئة الحرب التجارية، مشيرًا إلى تلقي واشنطن مقترحات “جيدة جدًا” بشأن التجارة.

المستثمرون في انتظار الوضوح:
ومع اكتمال المئة يوم الأولى لإدارة ترامب في السلطة، لا تزال الأسواق المالية العالمية تعيش حالة من الترقب والقلق، منتظرة المزيد من الوضوح بشأن المسار الذي ستتخذه السياسات الاقتصادية والتجارية الأمريكية.

ويرى محللون اقتصاديون أن التقلبات الحالية قد تستمر ما لم تتضح معالم الاستراتيجية الاقتصادية للبيت الأبيض، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة مع الصين وتأثيرها العميق على سلاسل التوريد العالمية وحركة التجارة الدولية.

وتشير التقديرات إلى أن الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه الأسواق المالية، حيث يراقب المستثمرون عن كثب أي إشارات إيجابية قد تصدر من واشنطن أو بكين لتهدئة المخاوف واستعادة الثقة في الأسواق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى