الاعتراف البريطاني المرتقب بفلسطين يشعل الجدل الدولي.. قرار سياسي أم ورقة ضغط؟

أثار إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر استعداد بلاده للاعتراف بدولة فلسطين جدلًا واسعًا داخل بريطانيا وعلى الساحة الدولية. يأتي ذلك مع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، حيث من المتوقع أن تتضح نوايا لندن بشكل نهائي.
دوافع التحرك البريطاني
الحكومة البريطانية أكدت أن الاعتراف لن يكون فوريًا، بل “عندما يحين الوقت المناسب”. أوضح ستارمر أن التوقيت المستهدف يأتي في محاولة للتأثير على الأوضاع المتدهورة في غزة، مع تزايد الضغوط داخل حزب العمال لدفع الحكومة نحو موقف أكثر وضوحًا في دعم حل الدولتين.
وأوضح الدكتور أحمد ماهر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة، أن الموقف البريطاني يأتي استجابة لضغوط أوروبية وشعبية، في ظل تعاطف واسع من الرأي العام الأوروبي مع ضحايا الحرب في غزة.
وأشار ماهر إلى أن بريطانيا لم تصل بعد إلى خطوات أكثر جذرية مثل وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل أو قطع التعاون الاستخباراتي. لكنها تستخدم الاعتراف بدولة فلسطين كـ”ورقة ضغط مشروطة”، قد تُسحب إذا وافقت إسرائيل على تهدئة الأوضاع خلال الأسابيع المقبلة.
مقارنة مع الموقف الفرنسي
مقابل هذا الحذر البريطاني، يبدو الموقف الفرنسي أكثر حسمًا. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال اجتماع الأمم المتحدة المرتقب، دون ربط الخطوة بأي شروط سياسية. جاء ذلك عقب زيارته إلى مصر واطلاعه على الوضع الإنساني في معبر رفح والعريش.
هل يؤثر ذلك على علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة؟
رغم حساسية الملف، تبدو العلاقات بين لندن وواشنطن مستقرة. التقى ستارمر بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا في اسكتلندا، وأكد ترامب أنه لم يناقش الخطوة البريطانية بشأن الاعتراف بفلسطين، مكتفيًا بالقول: “أسعى لإطعام الناس.. هذا هو الموقف الأهم، فهناك من يتضور جوعًا”.
لكن موقف الإدارة الأمريكية جاء مختلفًا، إذ انتقد وزير الخارجية ماركو روبيو إعلان فرنسا، واصفًا الخطوة بأنها “قرار متهور يخدم مصالح حماس”، بحسب “رويترز”.
تطور موقف لندن من حرب غزة
في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، عبّر ستارمر عن دعم واضح لحق إسرائيل في “الدفاع عن النفس”، لكن موقفه تطور منذ توليه رئاسة الحكومة قبل عام، ليصبح أكثر تشددًا.
فقد رفضت حكومته الطعن في مذكرات الاعتقال الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعلقت بيع الأسلحة لإسرائيل، كما فرضت عقوبات على وزيرين من اليمين المتطرف هما سموتريتش وبن غفير، بتهمة التحريض ضد الفلسطينيين.
السياق الدولي: اعترافات تتوسع
عام 2024 شهد اعتراف كل من أيرلندا، النرويج، وإسبانيا بدولة فلسطين، وفقًا لحدود ما قبل حرب عام 1967. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 140 دولة من أصل 193 عضوًا تعترف حاليًا بدولة فلسطين، بينما لا تزال معظم دول الاتحاد الأوروبي مترددة.
هل تحذو دول كبرى حذو بريطانيا؟
من غير المرجح أن تُسارع دول كبرى مثل ألمانيا أو كندا أو اليابان إلى اتخاذ خطوة مشابهة. فقد أعلنت ألمانيا أنها لن تعترف بدولة فلسطين في الوقت الحالي، مفضلة دعم مفاوضات الحل الثنائي.
أما إيطاليا، فربطت الاعتراف الفلسطيني باعتراف متبادل مع إسرائيل، معتبرة أن غياب هذا التوازن يجعل التسوية السياسية مستحيلة.
موقف رسمي مشروط
أكد ستارمر في تصريحاته أن حكومته ستُجري تقييمًا شاملًا في سبتمبر المقبل، لتحديد ما إذا كانت إسرائيل التزمت بوقف الأزمة الإنسانية في غزة وسمحت بإدخال المساعدات، قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن الاعتراف بدولة فلسطين.
ومع احتدام النقاش الدولي، يبقى الاعتراف البريطاني المحتمل ورقة سياسية حساسة قد تعيد رسم خريطة التوازنات في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، وربما تُحدث تحوّلًا دوليًا في طريق تحقيق حل الدولتين.