الإغلاق الحكومي يرهق أمريكا.. الانقسام الحزبي يشل الدولة ويهدد 75 مليون مواطن

للمرة الثامنة على التوالي، أخفق مجلس الشيوخ الأمريكي في تمرير مشروع قانون تمويل مؤقت اقترحه الحزب الجمهوري، كان من شأنه أن ينهي الإغلاق الحكومي المستمر منذ أسبوعين ويمدّد تمويل الحكومة حتى الحادي والعشرين من نوفمبر. هذا الإخفاق المتكرر يعكس حالة شلل سياسي غير مسبوقة، ويكشف عن عمق الانقسام داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية.
فقد جاءت نتيجة التصويت الأخيرة بـ 49 صوتًا مقابل 45، دون أن تتبدل مواقف أي من الأعضاء عن الجولات السابقة، في وقتٍ كان الجمهوريون بحاجة إلى خمسة أصوات ديمقراطية إضافية لكسر العرقلة التشريعية وتمرير القانون. ورغم أن التصويت التاسع بات وشيكًا، إلا أن المؤشرات لا توحي بأي اختراق في الأفق القريب.
ومع استمرار هذا الجمود، تتفاقم التداعيات على الأرض. فقد كشفت NBC أن ضباط شرطة الكونجرس الأمريكي — المسؤولين عن حماية أعضاء الكونجرس وتأمين مجمع الكابيتول — لم يتقاضوا رواتبهم كاملة للمرة الأولى منذ بدء الإغلاق قبل 14 يومًا. هذه المفارقة أثارت استياءً واسعًا، لا سيما أن المشرّعين أنفسهم يتلقون رواتبهم كاملة.
في المقابل، حذّر اتحاد نقابات الشرطة في الولايات المتحدة من أن إطالة أمد الأزمة قد تدفع الضباط إلى مأزق مالي خانق، إذ لا تعفيهم البنوك من سداد أقساطهم، ولا يتساهل ملاك العقارات مع التأخر في دفع الإيجارات. أما رئيس الاتحاد، فقد اتهم الحزبين الجمهوري والديمقراطي بتبادل الانتظار والترقّب بدل التفاوض الحقيقي، محذرًا من أن هذا النهج العقيم سيُبقي الإغلاق مفتوحًا إلى أجل غير معلوم.
الإغلاق الراهن بات خامس أطول إغلاق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تصلب مواقف الجانبين. الجمهوريون يتهمون الديمقراطيين باحتجاز الحكومة رهينة لمصالحهم، فيما يصر الديمقراطيون على ربط أي قانون تمويل بحل أزمة أوباما كير، وهو ما جعل أي تسوية سياسية تبدو بعيدة المنال.
أما الانعكاسات الميدانية فقد بدأت تتجسد بقسوة. إذ اضطرّت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى تسريح نحو 600 موظف، في حين تشير التقديرات إلى فقدان نحو 3000 موظف إجمالًا نتيجة الاستقالات والتسريحات، ما يعني انخفاض القوة العاملة لديها بنسبة 23%، في لحظة تتصاعد فيها الحاجة إلى خدماتها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد تسبب الإغلاق في تعطيل إعلان الضمان الاجتماعي السنوي، الذي يُستخدم لاحتساب متوسط تكلفة المعيشة وفق مؤشرات التضخم، وهو ما سيحرم 75 مليون أمريكي من تعديل مزاياهم المالية لمواكبة ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يهدد شرائح واسعة من كبار السن وذوي الإعاقة.
كما امتدت المخاوف إلى عائلات العسكريين، إذ لم تعد الأسر قادرة على تغطية نفقاتها مع تأخر الرواتب. وقد حاول البيت الأبيض احتواء الأزمة عبر تحويل أموال من ميزانية البحث والتطوير في وزارة الدفاع الأمريكية لتغطية أجور العسكريين، في خطوةٍ وُصفت بأنها مناورة مالية لاحتواء الغضب داخل المؤسسة العسكرية.
ووفقًا لمسح أجرته منظمة عائلات النجمة الزرقاء، كانت واحدة من كل ست عائلات عسكرية تعاني من انعدام الأمن الغذائي حتى قبل الإغلاق، بينما يملك نحو ثلثها مدخرات تقل عن 3000 دولار فقط، ما يجعلها عرضة لأي أزمة مالية.
في خضم هذا المشهد المتشابك، يتضح أن الخلاف الحزبي لم يعد مجرد صراع سياسي تقليدي، بل تحوّل إلى مأزق وطني شامل، يمسّ أمن المجتمع واقتصاده واستقراره الاجتماعي. فكل يوم يمرّ دون اتفاق يزيد من عمق الجراح ويقرب البلاد خطوة أخرى نحو أزمة أكبر من أن تُحتوى بتسوية سياسية متأخرة.