أسطول الصمود يتجه نحو غزة.. والجيش الإسرائيلي يستعد لمواجهة 44 دولة في البحر

في عرض البحر الأبيض المتوسط، تتهادى خمسون سفينة صغيرة وكبيرة، بعضها متين يشق الموج بقوة، وبعضها بسيط يصرّ على الصمود كأصحابه، تحمل على متنها خمسمئة إنسان جاؤوا من أربع وأربعين دولة، توحدوا على حلم واحد: أن يصلوا إلى غزة المحاصرة منذ أعوام، وأن يكسروا قيود الجوع والحرب التي تطبق على صدور أهلها.
يطلقون على رحلتهم “أسطول الصمود”، وكأن الاسم نفسه وعدٌ لا رجعة فيه. فمن إسبانيا إلى تونس، ومن إيطاليا إلى اليونان، خرجت هذه السفن محملة بالمساعدات، لكنها في الحقيقة محملة بما هو أثقل من الطعام والدواء: محملة بالكرامة، وبالإصرار على تحدي قوة عسكرية ترى البحر كله ملكًا لها.
الاحتلال الإسرائيلي يراقبهم منذ اللحظة الأولى. طائرات بلا طيار تحوم فوقهم كل ليلة، وعين غليظة لا تفارق مسارهم. تقارير وصلت إلى المنظمين بأن القادمين قد يواجهون قصفًا أو محاولات إغراق، وكأن مجرد إصرارهم على الإبحار جريمة تستوجب العقاب. ومع ذلك، مضى الأسطول في طريقه، كمن يمضي في قدرٍ كُتب عليه.
وفي روما ومدريد، ارتجت الشوارع. عمّال الموانئ لوّحوا بإضرابات، وهددوا بإغلاق أبواب التجارة إن تُرك مواطنوهم فريسة في البحر. تحت الضغط الشعبي، أرسلت حكومتا إيطاليا وإسبانيا سفينتين حربيتين ترافقان الأسطول، في مشهد غير مسبوق، يخلط بين السياسة والإنسانية، ويعيد رسم حدود المواجهة.
أما في تل أبيب، فالمشهد مختلف. هناك خططت القيادة العسكرية لمسرح المواجهة: المرحلة الأولى، اقتحام القوارب واحدًا تلو الآخر واعتقال من يرفض الاستسلام. والمرحلة الثانية، مصادرة السفن، وربما إغراق بعضها في البحر لتكون عبرة لمن تسوّل له نفسه إعادة المحاولة. على شاشات قنواتهم يتحدثون عن “منطقة عسكرية مغلقة”، لكن على شاشات العالم يتضح أن غزة ليست وحدها المحاصرة، بل الحقيقة نفسها محاصرة ومطاردة.
عرض الاحتلال على المنظمين أن يرسوا في ميناء عسقلان، وأن يفرغوا حمولتهم هناك، لتتولى آلياته نقلها “بالطريقة الرسمية” إلى غزة. لكن النشطاء رفضوا، لأن رحلتهم لم تُخلق لتفرغ صناديق مساعدات، بل لتقول إن الحصار نفسه باطل، وأن العبور إلى غزة حق، لا منّة.
في هذه الساعات، يقترب الأسطول من المياه التي يراها الاحتلال ملكًا له. الموج نفسه صار شاهداً على معركة لا تشبه المعارك. إنها معركة رموز وإرادات: قوارب صغيرة محملة بالإنسانية في مواجهة أسطول حربي محمل بالخوف من الحقيقة. وما بين الموجتين، ينتظر العالم الفصل القادم من حكاية قد تكتب بالدم كما كتبت من قبل في أساطيل الحرية، لكنها كل مرة تُشعل جذوة جديدة وتذكّر أن غزة، رغم الحصار، ما زالت قادرة على تحريك البحر.