مصر تستعيد عرش الذهب الأسمر.. “دولة النخيل” على قمة الإنتاج العالمي للتمور والبلح

الذهب الأسمر.. في سباق الصادرات العالمية، يبرز قطاع التمور المصري كقوة اقتصادية صاعدة، متجاوزًا البعد الغذائي التقليدي ليصبح رافدًا استراتيجيًا للاقتصاد الوطني. لم تعد التمور مجرد محصول موسمي، بل تحولت إلى “ذهب أسمر” تستثمر فيه الدولة بمشروعات عملاقة تهدف لإعادة صياغة الخريطة التنافسية للبلاد، ضاربةً بجذورها في أرض توشكي والوادي الجديد. هذا التحقيق يفتح ملف ريادة مصر العالمية في إنتاج وتصدير التمور، ويكشف سر القفزة القياسية في القيمة التصديرية.
المركز الأول عالميًا.. 20 مليون نخلة تضع مصر في الصدارة
تتربع مصر اليوم على عرش الإنتاج العالمي للتمور، محققةً إنجازًا غير مسبوق باستحواذها على 19% من إجمالي الإنتاج العالمي، بإنتاج سنوي يلامس 1.87 مليون طن.
يعود هذا التفوق النوعي والكمي إلى امتلاك مصر لأكبر ثروة من أشجار النخيل في العالم، بأكثر من 20 مليون نخلة. هذه الثروة منتشرة جغرافياً من واحات سيوة العريقة غرباً وصولاً إلى أرض سيناء شرقاً، وتنتج أصنافًا متميزة ذات جودة عالية وكفاءة تنافسية.
يؤكد الخبراء أن هذا الرقم الهائل من النخيل ليس مجرد إحصائية، بل هو “أصل زراعي استراتيجي” يضمن الأمن الغذائي ويفتح آفاقًا واسعة للصادرات.
توشكي تدخل “جينيس”.. أكبر مزرعة نخيل في العالم
في قلب الجهود القومية لتعظيم هذا القطاع، برز مشروع مزرعة توشكي للتمور كرمز للطموح المصري. هذه المزرعة وُصفت بأنها الأكبر على مستوى العالم، حيث تمتد على مساحة 38 ألف فدان وتضم قرابة 1.6 مليون نخلة مثمرة.
أرقام من المزرعة:
المساحة: 38 ألف فدان.
عدد النخيل: 1.6 مليون نخلة.
الأصناف المنتجة: أكثر من 44 صنفًا متنوعًا.
الإنجاز: سجلت في موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر مزرعة نخيل عالميًا.
هذا الإنجاز القومي أسهم بشكل فعال في دفع مصر لتكون ضمن قائمة أفضل 10 دول مصدرة للتمور، ليس فقط بالكمية، بل بالجودة والأصناف المطلوبة عالميًا مثل “المجدول” و”البرحي”.
تحوّل استراتيجي.. قفزة 120% في القيمة التصديرية
شهدت الصادرات المصرية من التمور نموًا صاروخيًا على مدار العقد الماضي، وصل ذروته في عام 2024 بتحقيق أعلى قيمة تصديرية على الإطلاق بلغت 105.62 مليون دولار.
هذه القيمة تمثل ارتفاعاً قدره 120.55% مقارنة بعام 2014. ويشير الخبراء إلى أن السر وراء هذه القفزة القياسية ليس مجرد زيادة في الكمية، بل تغيير استراتيجي يركز على النوعية.
ملامح التوجه الجديد:
التركيز على الجودة: العمل على تصدير الأصناف المتميزة المطلوبة عالميًا.
ربحية الطن: ارتفاع متوسط سعر الطن المصدر، ما يجعل الصادرات أكثر ربحية.
أسواق رئيسية:
استوردت المغرب وحدها نحو 39.100 طن في الموسم التصديري 2024/2025 (سبتمبر – يناير)، ما يمثل أكثر من 40% من إجمالي الصادرات في تلك الفترة.
من “التمر” إلى “القيمة المضافة”.. استراتيجية الـ 5 ملايين نخلة
تعتمد استراتيجية الدولة للنهوض بقطاع التمور على محورين أساسيين؛ هما التوسع الأفقي وتعظيم القيمة المضافة.
1. التوسع الأفقي (المشروع القومي): أشار وزير الزراعة إلى النجاح في زراعة 3 ملايين نخلة جديدة ضمن “المشروع القومي لزراعة 5 ملايين نخلة”، تركزت في مناطق التنمية مثل توشكي والوادي الجديد. هذا التوسع يهدف إلى استدامة الإنتاج وتجويد أصناف التصدير، التي تتراوح أسعارها العالمية بين 6 آلاف إلى 15 ألف دولار للطن الواحد.
2. تعظيم القيمة المضافة (التصنيع): لا يقتصر العمل على مرحلة الزراعة، بل يمتد ليشمل كافة مراحل “سلاسل القيمة”. يتم تحويل التمور إلى منتجات ذات قيمة مضافة أعلى مثل دبس التمر والمعجنات والمشتقات الأخرى. هذا التحول يسهم في رفع القيمة السوقية للمنتج النهائي وزيادة قدرته التنافسية عالميًا.
الخلاصة.. ريادة مستدامة
بفضل المشروعات القومية الطموحة، والاستغلال الأمثل لثروة النخيل الهائلة، والتحول الاستراتيجي نحو التصدير والجودة، يسير قطاع التمور المصري بخطوات واثقة نحو ترسيخ ريادته العالمية. التمور لم تعد مجرد فاكهة، بل هي محور استراتيجي يخدم أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة ويؤكد مكانة مصر كـ “دولة النخيل” الأولى عالميًا.



