قرية التراث البدوي في شرم الشيخ.. “واحة فؤاد” رحلة عبر الزمن في قلب الصحراء

في عمق صحراء جنوب سيناء تقف قرية التراث البدوي بشرم الشيخ كحلمٍ طال انتظاره، يحاكي الماضي بكل قدسيته، ويعانق الحاضر برؤية فريدة، لتُعيد إلى الأذهان صورة البادية النقية وقد تجلّت في ثوبٍ سياحيٍ وثقافيٍ متكامل.

لم تكن “واحة فؤاد” – كما سُمّيت تخليدًا لاسم من صاغ الجمال هنا بروح العطاء المهندس فؤاد توفيق حافظ، مصمم ومنفذ مسجدي المصطفى والصحابة بشرم الشيخ، والذي يعدان من أهم المزارات الرئيسية لكافة الوفود السياحية بالمدينة. – مجرد مشروع جديد، بل كانت نبضًا حيًا لتراث بدو سيناء، امتد على مساحة مليون متر مربع خلف مضمار الهجن، لتصبح قبلة لكل من يشتاق لاكتشاف أسرار الحياة البدوية بكل ما تحمله من أصالة وفن وبساطة.

في أيامها الأولى من التشغيل التجريبي، استقبلت القرية وفودًا سياحية من مختلف الجنسيات، كان الزائر فيها لا يكتفي بالمشاهدة، بل يعيش الطقس البدوي بتفاصيله الحيّة: من المأكولات المطهية على نار الرمل، إلى العروض الفلكلورية، والحرف اليدوية التي تنبض بأرواح صانعيها، حتى بدا المكان وكأنه مرآة لروح سيناء القديمة، تعكسها العمارة الطينية، وألوان القماش، وسكينة المجالس البدوية.

كانت الكاميرات توثق الدهشة، حين رأى الزوّار في الأسواق التراثية أكثر من 300 بازار تروي حكايات الصحراء، وفي الورش المفتوحة أسرار الحرف اليدوية القديمة. في المساء، تعانقت أنغام الربابة مع ضوء المشاعل، وعلى المسرح المكشوف رقصت الرمال على إيقاع الفلكلور البدوي، أما المتحف المفتوح، فكان شاهدًا على عبقرية الإنسان البدوي في تطويع الطبيعة.

ولأن القرية لم تُبنَ فقط لتكون مزارًا، بل رسالة وذاكرة وهوية، فقد وُضعت معايير تشغيلها لتواكب التطور، دون أن تفرّط في جوهرها، حيث تتأهب لتصبح “قرية ذكية” تعتمد التكنولوجيا الحديثة، دون أن تغادر دفء الخيمة أو قدسية المجلس البدوي.

وفي قلب الواحة، يتربع مسجد كبير للصلاة، يذكر الزائر بأن الروح هنا لا تنفصل عن الجسد، وأن هذا المكان ليس للترفيه وحده، بل هو موطئ روح، ومزارُ تأملٍ، واحتفاء بالإنسان في بساطته الأولى.

تستمر القرية في استقبال الزوار أسبوعيًا أيام الجمعة والسبت، حتى يكتمل التشغيل الكامل عبر شركة إدارة متخصصة، تضمن للقرية استدامةً تتناسب مع عمق فكرتها وجمال رسالتها.

هكذا، وُلدت “واحة فؤاد” من رحم الصحراء، لا لتكون مجرّد نقطة على خريطة السياحة، بل جسرًا بين الحاضر والماضي، ونافذةً يطلّ منها العالم على تراث بدو سيناء، في تجربة لا تُشبه سواها، حيث تتحد الرمال بالذاكرة، والهوية بالحلم، والصحراء بالعالم.