تقارير وتحليلات

كندا تقترح ملاحقة الأسطول الروسي لنقل النف.. وواشنطن ترفض وسط تحول في استراتيجيتها تجاه موسكو

في خطوة تعكس تصعيدًا جديدًا ضد الالتفاف الروسي على العقوبات الغربية، اقترحت كندا، بصفتها الرئيس الحالي لـ مجموعة السبع (G7)، تشكيل فريق عمل لملاحقة ما يُعرف بـ”أسطول الظل الروسي” لنقل النفط، وذلك خلال اجتماع المجموعة يوم الأحد 9 مارس 2025.

ويُستخدم هذا الأسطول، الذي يضم ناقلات نفط مجهولة الملكية أو مسجلة في دول توفر سرية كبيرة، كأداة رئيسية لروسيا لتجاوز العقوبات الغربية المفروضة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022.

ويهدف المقترح الكندي إلى تعزيز جهود المجموعة في رصد ومنع انتهاكات العقوبات على صادرات النفط الروسية، وضمان فعالية سقف السعر المحدد للنفط الروسي عند 60 دولارًا للبرميل. إلا أن واشنطن رفضت هذا المقترح، في خطوة تعكس تحولًا في نهجها تجاه روسيا، حيث تسعى إلى تشديد لهجتها ضد الصين وتخفيف الضغط على موسكو في البيان المشترك لمجموعة السبع بشأن حرية الملاحة، والذي تُشرف كندا على صياغته استعدادًا لاجتماع وزراء الخارجية الأسبوع المقبل.

وكشفت مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة طلبت حذف الإشارة إلى “العقوبات” وتعديل العبارات التي تُحمّل روسيا المسؤولية عن النزاع في أوكرانيا من مسودة البيان، في خطوة تُظهر براغماتية أمريكية متزايدة في التعامل مع الملف الروسي.

الأسطول الروسي

“أسطول الظل الروسي”.. شبكة خفية لتجاوز العقوبات
يُعرف “أسطول الظل الروسي” بأنه شبكة غير رسمية من الناقلات التي تلجأ إليها موسكو للحفاظ على تدفق صادراتها النفطية رغم القيود الغربية، خاصة إلى أسواق الهند والصين ودول أخرى. ويتميز هذا الأسطول بعدة سمات تجعله صعب التتبع، أبرزها:

ملكية غامضة وقدم السفن: يضم الأسطول ناقلات مسجلة بأسماء شركات غير معروفة أو في دول توفر سرية كبيرة مثل الإمارات والصين وماليزيا، كما أن معظم هذه السفن تجاوزت 15-20 عامًا، مما يجعلها عرضة لمخاطر فنية.
صعوبة التتبع: يتم تسجيل هذه السفن تحت أعلام دول مثل ليبيريا وبنما وجزر مارشال، فضلًا عن إيقاف بعض الناقلات لأنظمة التعرف التلقائي “AIS” أثناء عمليات النقل.
نقل النفط في عرض البحر: تلجأ السفن إلى عمليات نقل النفط من ناقلة لأخرى في أعالي البحار للتمويه على الجهات الرقابية.
التأمين خارج المنظومة الغربية: تعتمد موسكو على شركات تأمين غير غربية، خاصة من الصين والهند، لتغطية هذه السفن، بعد فرض قيود على شركات التأمين الغربية.
ورغم العقوبات المشددة، لا تزال روسيا قادرة على استخدام هذا الأسطول للحفاظ على صادراتها النفطية، وإن كان ذلك بأسعار مخفضة مقارنة بالسوق العالمية.

الأسطول الروسي

انعكاسات “أسطول الظل” على أسعار النفط
يشكل “أسطول الظل الروسي” عنصرًا مؤثرًا في أسواق النفط العالمية، حيث يؤدي إلى:
إضعاف العقوبات وزيادة المعروض النفطي: استمرار تصدير النفط الروسي بكميات كبيرة عبر الأسطول يُبقي الإمدادات متوافرة في الأسواق، لا سيما في آسيا، مما يقلل من فعالية العقوبات في رفع الأسعار العالمية.
خلق سوق مزدوجة للنفط: بات هناك سوق رسمية تُباع فيها الإمدادات العالمية بالسعر الكامل، وسوق موازية للنفط الروسي بأسعار أقل، ما يتيح لدول مثل الهند والصين الحصول على إمدادات رخيصة، وبالتالي يخفف الضغط على أسعار النفط العالمية.
ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين: بسبب المخاطر المتزايدة من استخدام ناقلات قديمة وغير آمنة، ارتفعت تكاليف التأمين البحري، كما أن أي حوادث تسرب أو أعطال قد تؤدي إلى اضطرابات في الأسواق وارتفاع الأسعار.
وفي حال شددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على هذا الأسطول، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الإمدادات الروسية، مما قد يدفع الأسعار للارتفاع. لكن استمرار موسكو في استخدامه قد يُبقي السوق مستقرة.

مواقف القوى الدولية.. خسائر للغرب ومكاسب للصين والهند
تنقسم المواقف الدولية بشأن “أسطول الظل الروسي” بين معارضة غربية حادة واستفادة آسيوية محسوبة:

الخاسرون (أمريكا وأوروبا وبريطانيا): ترى هذه الدول أن الأسطول يمثل خرقًا للعقوبات ويقوض سقف السعر المفروض على النفط الروسي. لذا فرضت واشنطن ولندن قيودًا إضافية على شركات التأمين والشحن المتعاملة مع هذه الناقلات، فيما يبحث الاتحاد الأوروبي تشديد القيود على التمويل والتأمين البحري المرتبط بها.
الرابحون (الصين والهند): تستفيد الصين من شراء النفط الروسي بسعر منخفض وتدفع أحيانًا باليوان بدلًا من الدولار، كما توفر بعض الشركات الصينية التأمين والخدمات اللوجستية للأسطول الروسي. أما الهند، فترحب بالنفط الروسي المخفض لكنها تتجنب التعامل مع السفن غير المؤمنة دوليًا تفاديًا للعقوبات الغربية.
وفي ظل هذا الوضع، تبدو القوى الغربية عازمة على تضييق الخناق على “أسطول الظل”، بينما تواصل موسكو، بدعم من بعض الدول الآسيوية، البحث عن طرق لتجاوز العقوبات.

الأسطول الروسي

سيناريوهات مستقبل أسطول الظل الروسي
مع تصاعد الحديث عن مفاوضات سلام محتملة بين روسيا وأوكرانيا، يُطرح تساؤل حول مستقبل “أسطول الظل”، والذي يمكن أن يتأثر وفق السيناريوهات التالية:

نجاح المفاوضات ورفع العقوبات: في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام يشمل إنهاء العقوبات الغربية، فقد تتراجع حاجة موسكو إلى الأسطول، ما قد يؤدي إلى تقليص نشاطه أو إنهائه بالكامل.
استمرار العقوبات مع تعديل موسكو استراتيجياتها: إذا لم تثمر المفاوضات عن رفع العقوبات، فقد تلجأ روسيا إلى توسيع استخدامها لخطوط الأنابيب البرية، مثل مشروع “باور أوف سيبيريا 2” إلى الصين، مما قد يقلل اعتمادها على النقل البحري تدريجيًا.
تشديد القيود الغربية دون إنهاء الأسطول: قد تواجه روسيا ضغوطًا غربية متزايدة عبر فرض مزيد من العقوبات على الجهات المتعاملة مع أسطولها النفطي، لكن موسكو قد تواصل تشغيله عبر شركات وساطة غير غربية، مما يبقيه عاملًا رئيسيًا في تجارة النفط الروسية.
ختامًا.. معركة خفية بين الغرب وموسكو
يمثل “أسطول الظل الروسي” أحد أبرز أدوات موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية، ما يجعله محط صراع بين القوى الكبرى. فبينما تسعى واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لتضييق الخناق عليه، تستمر روسيا، بدعم من الصين والهند، في توسيع استخدامه للحفاظ على نفوذها النفطي عالميًا. ومع تزايد الحديث عن مفاوضات السلام، يظل مصير هذا الأسطول مرهونًا بتطورات المشهد الجيوسياسي والاقتصادي خلال الأشهر المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى