فرنسا تواجه تصاعدًا خطيرًا في تجارة الأسلحة غير المشروعة.. إدانة 8147 شخصًا خلال عام 2024

كشفت الأرقام الرسمية عن تزايد مقلق في تجارة الأسلحة غير المشروعة في فرنسا، وبحسب وزارة العدل الفرنسية، شهد عام 2024 إدانة 8147 شخصًا بتهم “الاتجار بالأسلحة ونقلها”، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 16.5% مقارنة بعام 2021، في حين أن هذه الظاهرة المتصاعدة أصبحت تثير قلق السلطات الفرنسية، خاصة مع تحولها من نشاط مقتصر على المجرمين المحترفين إلى سوق مفتوحة للجميع، وبطرق أصبحت سهلة ومتاحة عبر الإنترنت والتطبيقات المشفرة.
صفقات الإنترنت والأرقام المقلقة
تروي الصحف الفرنسية قصة شاب يبلغ من العمر 24 عامًا، ألقت السلطات القبض عليه، يناير الماضي، وهو يحاول بيع مسدسين آليين من عيار 9 ملم مقابل 1800 يورو.
كان الشاب تواصل مع مشترٍ محتمل عبر تطبيق المراسلة المشفر “تليجرام”، لكنه وقع في فخ نصبته الشرطة الفرنسية.
وفي أثناء التحقيق، اعترف الشاب بأنه كان يستلم الأسلحة من دول مجاورة عبر طرود، ويتواصل مع حسابات مجهولة على تطبيق “تليجرام”، ثم يبيع الأسلحة لمن يدفع أكثر، دون أدنى اهتمام بمن سيستخدمها أو كيف، وأدين الشاب بالسجن 4 سنوات.
ويقول المدعي العام رافائيل بالاند، لصحيفة “إكسبريس”: “إنها المرة الأولى التي أواجه فيها ملفًا لتجارة أسلحة بهذا الوضوح والبساطة المخيفة”.
وبحسب الأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية الفرنسية للصحيفة، تمت مصادرة ما يقرب من 23.000 قطعة سلاح من جميع الفئات، عام 2023 من قبل السلطات، منها 8.534 بواسطة الشرطة.
ومن بين هذه الأسلحة، كانت 46% منها أسلحة قصيرة “وهي المسدسات بأنواعها التي يمكن حملها بيد واحدة ويسهل إخفاؤها”، و47% أسلحة طويلة “مثل البنادق وبنادق الصيد التي تحتاج لاستخدام اليدين معًا”.
وهذا التوزيع المتقارب بين النوعين يشير إلى تنوع خطير في سوق الأسلحة غير المشروعة، إذ تنتشر الأسلحة الشخصية سهلة الإخفاء والنقل بنفس قدر انتشار الأسلحة الأكثر فتكًا وقدرة على إلحاق الضرر على مسافات بعيدة.
الأسلحة والمخدرات
في بعض المناطق الفرنسية، لاحظت السلطات استخدامًا متزايدًا للأسلحة النارية، إذ في مدينة نانت على سبيل المثال، يشير المدعي العام السابق رينو جوديل، إلى “استخدام موسع للأسلحة النارية، خاصة أسلحة الحرب، منذ عام 2017”.
ويضيف: “الأسلحة تتبع المخدرات، وفي عام 2024، وجدنا أسلحة في كل عملية تفكيك لشبكة مخدرات، وهو ما لم يكن الحال سابقًا”.
وامتدت هذه الظاهرة في السنتين الأخيرتين إلى مدن أصغر في المنطقة، مثل سان نازير ورين، ما يشير إلى انتشار الظاهرة بشكل أوسع في المجتمع الفرنسي.
مصادر الأسلحة غير المشروعة
وفقًا لتقرير نُشر يونيو 2023، على موقع معهد الدراسات العليا لوزارة الداخلية “IHEMI”، فإن غالبية الأسلحة غير المشروعة المتداولة في فرنسا تأتي من عمليات سرقة وسطو على منازل أفراد أو محال الأسلحة.
وفي المتوسط، تُسرق 9.300 قطعة سلاح سنويًا، ثم يُعاد بيعها في السوق السوداء.
ويقول إيف جوليتي، رئيس الغرفة النقابية لتجار الأسلحة: “هذه السرقات تحدث على شكل موجات، وتنظمها فرق من المحترفين بشكل جيد، وفي معظم الأحيان ترتبط بالعصابات الإجرامية الكبرى”.
أما الشبكات الدولية، فتظل مصدرًا رئيسيًا للإمداد بالأسلحة للمتاجرين الفرنسيين، ومنذ تسعينيات القرن الماضي وانهيار يوغوسلافيا السابقة، هناك تدفق مستمر للأسلحة من البلقان عبر حدود دول الاتحاد الأوروبي، في مركبات ذات مخابئ مخصصة أو شاحنات ثقيلة.
ومنذ عام 2012، غمرت السوق الأوروبية أسلحة يفترض أنها “معطلة”، ناتجة عن النزاعات في تشيكوسلوفاكيا السابقة، إذ تم بيعها بشكل قانوني في جمهورية التشيك أو سلوفاكيا كـ”أسلحة فارغة”، ثم أعاد المتاجرون تحويلها يدويًا لاستعادة قدرتها على القتل.
وتعد الولايات المتحدة أيضًا مصدرًا محتملًا للأسلحة للمتاجرين الأوروبيين، الذين لا يترددون في طلب الأجزاء الأساسية من سلاح ناري، تُباع كقطع منفصلة وبشكل قانوني على مواقع أمريكية.
تقنيات جديدة تضاعف المخاوف
من المخاوف الجديدة التي تواجهها السلطات الفرنسية إمكانية تصنيع الأسلحة باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد، وفي فبراير 2024، فككت الشرطة الفرنسية شبكة واسعة لتجارة الأسلحة المصنعة يدويًا بين جنوب فرنسا وبلجيكا، وصادرت 8 طابعات ثلاثية الأبعاد، و7 أسلحة كاملة “مطبوعة”، ومخططات بناء وأكثر من 500 قطعة غيار.
وهذه الأسلحة، التي لا يمكن تتبعها وتكون قاتلة، كانت تُباع بين 1000 و1500 يورو على الـ”دارك ويب” وتُرسل عبر طرود، في معظم الأحيان على شكل قطع متفرقة.
ويقول الجنرال هيرفي بيتري، قائد وحدة الإنترنت الوطنية المسؤولة عن القضية، لصحيفة “إكسبريس”: “العملاء كانوا يتراوحون من هواة جمع الأسلحة البسطاء إلى أعضاء في الوسط الإجرامي، مرورًا بالمهووسين بنهاية العالم، كان أعضاء الشبكة شبابًا في الغالب، يحركهم رؤية متحررة للأمور، على غرار ما نراه في الولايات المتحدة”.