صباح الأمل في غزة.. اتفاق شرم الشيخ يطوي صفحة عامين من الجحيم

في صبيحة يوم الخميس، التاسع من أكتوبر 2025، لم يكن صوت الطائرات الحربية أو دوي القذائف هو ما صدح في أرجاء قطاع غزة المنهك، بل كانت أصوات التكبير والهتافات الممزوجة بالدموع.
بعد عامين كاملين من الحرب التي لم تترك حجرًا على حجر، ومن إحصائية رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية تتحدث عن 67,183 شهيدًا و169,841 جريحًا، أُطلِق “الدخان الأبيض” أخيرًا من مدينة شرم الشيخ المصرية.
المشهد تحول في لحظات من ترقب موجع إلى فرحة عارمة، بدأت في شوارع وميادين القطاع، وامتدت إلى خيام ومراكز إيواء النازحين الذين تجاوز عددهم المليون شخص.
لقد علقت كل الآمال والأنفاس بـ”المرحلة الأولى” من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، الذي أعلنت الرئاسة الأمريكية التوافق عليه بين إسرائيل وحركة حماس، بعد جولات ماراثونية من المفاوضات.
مفاوضات السر والمفتاح الأمريكي
لم يكن طريق الاتفاق مفروشًا بالورود، بل كان “مضنيًا” كما وصفه الخبراء. فخلف الأبواب المغلقة في شرم الشيخ، تجمعت قامات سياسية رفيعة التمثيل من مصر، والولايات المتحدة، وتركيا، وقطر.
هذه التشكيلة المتعددة الأطراف كانت تهدف إلى إنجاز ما فشلت فيه جولات سابقة: وقف آلة حرب مستمرة، أدخلت القطاع في نفق مجاعة حصدت أرواح 460 فلسطينيًا بينهم 154 طفلًا، حسب إحصاءات السابع من أكتوبر 2023.
الدكتور محمد عثمان، الباحث في العلاقات الدولية، وصف الاتفاق لـ”القاهرة الإخبارية” بأنه “تاريخي”، مرجعًا الفضل لـ”جهود الوسطاء الحقيقية” و”التغير الكبير في الموقف الأمريكي” الذي تفاعل بـ”إيجابية” مع العملية التفاوضية. هذا التحول في الكواليس الدبلوماسية يبدو أنه كان المفتاح لـفك شيفرة الخلافات، والتوافق على كل بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى.
غزة.. “صباح مغاير تمامًا”
في قلب الحدث، وتحديدًا من مدينة خان يونس جنوبي القطاع، كانت الأجواء بالفعل “مختلفة بالتأكيد”، كما أكد بشير جبر، مراسل القاهرة الإخبارية.
لقد غابت أصوات القصف التي “لم تتوقف صباحًا ومساءً عن أحياء القطاع بأكمله”، وتوقفت حركة “الآليات العسكرية الإسرائيلية التي عاثت فيها فسادًا وخلَّفت دمارًا واسعًا”.
هذه الأفراح لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت تعبيرًا عفويًا عن شوق دفين للعودة إلى الحياة، وإلى الشمال الذي هُجِّر منه آلاف السكان قسرًا. أمام مجمع ناصر الحكومي في خان يونس، تجمهرت الحشود من الخيام ومراكز الإيواء، وصدحت هتافاتهم المطالبة بـ”سرعة العودة إلى منازلهم ومناطق سكنهم في شمال القطاع”. إنه اشتياق يترجم سنوات من القسوة، يصفه جبر بكونه انعكاسًا مباشرًا “لخروج الدخان الأبيض” على الشارع الفلسطيني.
تحديات ما بعد الهدنة: حذر وعودة آمنة
على الرغم من الفرحة الغامرة، لم يغب صوت الحذر عن المشهد. فمع دخول وقف العمليات العسكرية حيز النفاذ، من المقرر أن تدخل المرحلة الأولى من تبادل الأسرى كذلك حيز التنفيذ.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أصدر توجيهات فجر اليوم، داعيًا أبناء الشعب الفلسطيني لـ”ضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر” بخصوص التنقل والحركة. هذه التوجيهات الرسمية تشير إلى أن الطريق لا يزال طويلًا وشائكًا، وأن التفاصيل التنفيذية على الأرض قد تحتاج إلى أقصى درجات اليقظة لتجنب أي انتهاكات أو حوادث مؤسفة.
لقد أنهت شرم الشيخ اليوم مرحلة، ووعدت بغدٍ مغاير. لكن السؤال الأعمق يبقى معلقًا في الأفق: هل ستكون “المرحلة الأولى” هي الخطوة الحاسمة نحو السلام الدائم، أم مجرد استراحة محارب تُنهي عامين من الجحيم لتبدأ تحديات الإعمار والتعويض؟ إن مصير هذا الاتفاق يقع الآن على عاتق الأطراف الموقعة ومستقبل جولات المفاوضات التي ستتلوه.