الفرق بين صلاة التهجد وصلاة التراويح.. عبادة ليلية تتجلى بين القيام والسكينة

صلاة في ظلمات الليل، حين يسكن العالم وتهدأ الأصوات، يفتح الله لعباده بابًا من أبواب القرب منه، بابًا يعجّ بنفحات الإيمان، ويروي ظمأ القلوب الباحثة عن الطمأنينة. إنها عبادة قيام الليل، التي تُعدّ من أجلّ العبادات التي تقوّي الصلة بين العبد وربّه، وتملأ الروح بالسكينة والرضا.
غير أن هذه العبادة تنقسم إلى أشكال متعددة، قد يختلط مفهومها على كثير من الناس، ومن أهمها صلاة التهجد وصلاة التراويح، وهما عبادتان متشابهتان في المظهر ولكنهما تختلفان في عدة جوانب تتعلق بالتوقيت والكيفية والتشريع النبوي.
يُعدّ قيام الليل مصطلحًا عامًا يشمل جميع أنواع العبادات التي يؤديها المسلم في الليل، سواء كانت صلاة أو تلاوة للقرآن أو ذكرًا لله وتسبيحًا، ولا يُشترط أن يكون مستغرقًا لساعات طويلة، بل يكفي أن يُخصّص المسلم جزءًا منه ليحظى بهذا الشرف العظيم.
وبينما يشمل قيام الليل كل هذه الطاعات، تأتي صلاة التهجد كجزء خاص منه، وهي التي تُؤدَّى بعد نوم، ما يجعلها تختلف عن غيرها من الصلوات الليلية، إذ إنها تتطلب الاستيقاظ من النوم والتوجّه إلى الله بصلاة خالصة، في لحظات من الهدوء والانفراد بالله، في وقتٍ تُفتح فيه أبواب الرحمة وتتنزل فيه السكينة.
أما صلاة التراويح، فهي نوع متميز من قيام الليل، مرتبط بشهر رمضان المبارك، حيث يؤديها المسلمون بعد صلاة العشاء على مدار الشهر الفضيل. وتتميّز التراويح بأنها صلاة جماعية غالبًا، يؤديها المسلمون في المساجد، ويحرصون على إتمامها اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى الرغم من أن التراويح تندرج تحت قيام الليل، إلا أنها تُعرف بخفتها مقارنةً بصلاة التهجد، إذ جرى العرف على أن تُؤدَّى في أول الليل، خلافًا للتهجد الذي يُفضّل أداؤه في الثلث الأخير من الليل بعد النوم.
ويبرز الفرق الجوهري بين صلاة التهجد وصلاة التراويح في التوقيت، إذ إن التهجد مشروط بأن يسبقه نوم، فيما تُصلى التراويح مباشرة بعد العشاء دون الحاجة إلى نوم قبلها. كما أن التهجد يكون غالبًا فرديًا، حيث يختار المسلم فيه التضرع بين يدي الله في خلوة، بينما تُصلى التراويح في الغالب جماعة في المساجد.
أما من حيث الحكم الشرعي، فالتراويح هي سُنّة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، وقد أداها الصحابة من بعده وحثّوا الناس عليها، في حين أن التهجد يُعدّ نافلة مستحبة يُثاب فاعلها ولا يُعاتب تاركها، لكنه من أعظم العبادات التي تُقوّي الإيمان وتقرّب العبد من الله عز وجل.
إن فضل قيام الليل عظيم، وقد وردت فيه نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تشجّع عليه، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا” (الإسراء: 79).
وهذه الآية تبيّن المكانة العظيمة التي يحظى بها من يحرص على هذه العبادة، حيث ترفع منزلته عند الله وتضيء طريقه إلى مقام محمود.
ولأن هذه العبادة تحتاج إلى مجاهدة للنفس، فقد وضع العلماء أسبابًا تساعد المسلم على المواظبة عليها، من بينها الإخلاص في النية، والنوم المبكر، والابتعاد عن السهر فيما لا ينفع، والدعاء بأن يعينه الله على القيام، وتذكّر الأجر العظيم الذي ينتظر القائمين بين يدي الله في جوف الليل.
وفي الختام، فإن صلاة التهجد وصلاة التراويح هما جزء من روحانية الليل التي تسمو بالروح وتطهّر القلب، ولكل منهما فضله ومكانته. وعلى المسلم أن يحرص على هذه العبادات وفق استطاعته، مستثمرًا نفحات الليل في التقرب إلى الله، فهو وقت اختصه الله باستجابة الدعاء، ورفع الدرجات، وغفران الذنوب.