تقارير وتحليلات

تحت ركام الهدنة.. لبنان بين عدوان إسرائيلي لا يتوقف وإصرار “حزب الله” على حمل السلاح

التصعيد الميداني يتصاعد في الجنوب اللبناني، فيما يواجه قرار الدولة بحصر السلاح تحدي الرفض القاطع من الحزب المدعوم إيرانياً، ليبقى أفق الحل مسدوداً بين الانتهاكات الخارجية والتعقيدات الداخلية.
تجدد التصعيد العسكري في جنوب لبنان ليضع اتفاق وقف إطلاق النار – الهش أصلاً – على حافة الانهيار الكامل، مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف القرى والبلدات الجنوبية.
وفي قلب هذا المشهد الميداني المتوتر، تتعمق الأزمة الداخلية اللبنانية بسبب موقف “حزب الله” الرافض لتسليم سلاحه، متجاهلاً بذلك قرار الدولة اللبنانية الصريح بحصر القوة العسكرية في يد الجيش.
إسرائيل تواصل الخروقات.. واغتيالات تحت ستار “اللوجستي”
تتواصل الغارات الإسرائيلية على الشريط الحدودي، محوّلة الهدنة إلى مجرد حبر على ورق.
وخلال الأيام الأخيرة، شهدت المنطقة اغتيالات نوعية، حيث استهدفت طائرة مسيرة سيارة في محيط مدرسة ببلدة حاروف، إضافة إلى اغتيال شخصين آخرين في غارات منفصلة.
وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليته عن هذه العمليات، زاعماً أنه استهدف قيادات وعناصر من “حزب الله”، على رأسهم قائد الوحدة اللوجستية في الجبهة الجنوبية، عباس حسن كركي.
هذا الدمار الهائل الذي تخلفه الاعتداءات الإسرائيلية في القرى اللبنانية، دفع وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي إلى التأكيد أن هذه الهجمات “تزيدنا تصميماً على ضرورة تحرير أراضينا ودعم الجيش وحصر السلاح في يد الدولة”، معيداً التأكيد على موقف الدولة الرسمي.
تأتي هذه الأحداث في ظل سجل إسرائيلي حافل بالانتهاكات، حيث شنّت تل أبيب منذ أكتوبر 2023 عدواناً واسعاً، تحول لاحقاً إلى حرب شاملة راح ضحيتها الآلاف، وتم تسجيل أكثر من 4500 خرق للسيادة اللبنانية.
“حزب الله”: السلاح قوة للوطن وضغوط الغرب لن تؤثر
في موازاة التصعيد الإسرائيلي، يأتي التحدي الأصعب من الداخل. فبينما تحاول الحكومة اللبنانية المضي قدماً في خطة حصر السلاح بيد الدولة التي أعلنت عنها في أغسطس الماضي، يجدد “حزب الله” موقفه الرافض بشكل قاطع.
وعلى لسان نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب، محمود قماطي، جاء التأكيد الصريح: لن تسلّم الحركة سلاحها. واعتبر قماطي أن هذا السلاح يمثل “قوة للوطن وسيادة للبنان”، مشدداً على أن الضغوط الأمريكية والأوروبية لن تؤثر على قرارهم في ظل استمرار اعتداءات “العدو”.
كما أشار المسؤول إلى أن الحزب التزم بالقرار الدولي 1701، في حين لم تلتزم به إسرائيل، ليضع بذلك المسؤولية كاملة على الجانب الإسرائيلي والجهات الراعية للاتفاق.
إعادة التمركز في الظل.. “البيجر” يعيد تشكيل هيكل الحزب
تشير تقارير صحفية دولية إلى أن هذا الرفض العلني لا يتعارض مع خطوات سرية يتخذها الحزب على الأرض. فقد كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن “حزب الله” يعمل حالياً بشكل شبه كامل تحت الأرض، ويعيد بناء هيكله القيادي وقوته العسكرية بسرية تامة.
وتوضح الصحيفة أن الحزب يسير بخلاف موافقته الظاهرية على نزع السلاح، خصوصاً بعد عام من عملية “البيجر” الإسرائيلية، حيث أصبح العمل في معاقله يسير بسريّة تامة لإعادة ترميم صفوفه.
خطوة “حصر السلاح” تتعثر.. و”فتح” تتقدم
لا تزال خطة حصر السلاح التي وضعها الجيش اللبناني، والمكونة من خمس مراحل، تواجه تحديات كبيرة.
وقد سارع “حزب الله” إلى وصف القرار بأنه “خطيئة”، ما يضع الحكومة ورئيسها نواف سلام في موقف حرج، حيث أكد سلام التزام لبنان بإنهاء عملية حصر السلاح جنوب نهر الليطاني قبل نهاية العام، مطالباً إسرائيل في المقابل بالانسحاب ووقف اعتداءاتها.
وبرغم المعارضة القوية، بدأت عملية حصر السلاح في أغسطس الماضي بالمخيمات الفلسطينية في مدينة صور.
وكانت هناك استجابة من بعض الفصائل، حيث قامت “منظمة التحرير الفلسطينية” بتسليم السلاح في مخيمي “عين الحلوة” و”البداوي”، تلتها خطوة مماثلة في مخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي.
وتم تسليم شاحنات محملة بالأسلحة الخفيفة والقذائف، في خطوة وصفت بأنها تمت “بسهولة وهدوء تام”.
لكن، وبالرغم من هذه الخطوات الإيجابية، فإن المناطق التي تسيطر عليها فصائل أخرى أو “حزب الله” لم تبدأ عملية التسليم بعد، لتبقى الجهود والاتصالات مستمرة في محاولة لاحتواء الأزمة.
ويبقى المشهد اللبناني معلقاً بين مطرقة العدوان الإسرائيلي الذي لا يعترف بوقف النار، وسندان “حزب الله” الذي يعتبر سلاحه قوة للوطن وسيادة له، لتتأجل بذلك سيادة الدولة الكاملة على أراضيها إلى أجل غير مسمى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى