منوعات

الذكاء الاصطناعي وكشف الكذب: هل يتفوق على البشر؟

اكتسبت أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤخرا الكثير من الخبرات والمهارات التي يعرفها البشر، وأصبح بمقدورها الآن تبادل أطراف الحديث مع الانسان والتواصل معه اجتماعيا. ولكن هل تستطيع هذه الأنظمة معرفة ما إذا كان شخص ما يقول الحقيقة أم يكذب، على اعتبار أن ذلك هو شكل من اشكال الذكاء الاجتماعي.

 

ورغم أن فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الاجتماعية بشكل عام ما زالت في بدايتها، فقد شهدت السنوات الأخيرة طرح العديد من الأبحاث التي تتناول فكرة توظيف الأنظمة الإلكترونية الذاتية في كشف الكذب بأساليب متعددة، مثل رصد حركة الرأس وتعبيرات الوجه أثناء الحديث، أو متابعة حركة العين، أو لغة الجسد، أو تحليل ما يعرف باسم اللغة الجانبية، ويقصد بها القرائن الصوتية والتعبيرية والنحوية والتركيبات والمفردات التي يختارها المتحدث أثناء الكلام. وعادة ما يتم تدريب المعادلات الخوارزمية لمنظومات الذكاء الاصطناعي على تحليل هذه البيانات وفق مجموعة من المعايير المختلفة بهدف بيان مدى صدق أو كذب مقاطع أو تسجيلات معينة.

 

وسعى فريق من الباحثين من جامعتي ميتشجن وأوكلاهوما الأمريكيتين إلى قياس مدى فهم الذكاء الاصطناعي للنفس البشرية عن طريق استخدام هذه التقنيات الحديثة كما لو كانت جهازا لكشف الكذب. وشملت الدراسة، التي نشرتها الدورية العلمية Journal of Communication المتخصصة في علوم التواصل، 12 تجربة شارك فيها اكثر من 19 ألف متطوع.

 

ويقول ديفيد ماركوفيتس أستاذ مساعد علوم الاتصال بجامعة ميتشجن ورئيس فريق الدراسة، إن “هذا البحث يهدف إلى فهم كيف يمكن أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الخداع، وتحذير المتخصصين عند استخدام التطبيقات الحوسبية اللغوية في أغراض كشف الكذب”.

 

ومن أجل مقارنة قدرات البشر والذكاء الاصطناعي في كشف الكذب، اعتمد الباحثون على نظرية “الحقيقة الافتراضية” التي تقول إن البشر يميلون بشكل طبيعي إلى تصديق الآخرين وافتراض أنهم صادقون ما لم تظهر أسباب واضحة تدعو للشك. ويقول ماركوفيتس في تصريحات للموقع الإلكتروني المتخصص في أبحاث طب الأعصاب، إن “الانسان لديه ميل طبيعي للصدق، ونحن عادة نفترض أن الآخرين يقولون لنا الحقيقة بصرف النظر عما إذا كان ذلك صحيحا أم لا”.

 

وأوضح أن “هذا الميل مفيد من ناحية تطور الجنس البشري، نظرا لأن الاستمرار في الشعور بالشك حيال ما يقوله الآخرون سوف يتطلب قدرا كبيرا من المجهود، وسوف يجعل الحياة اليومية شاقة، ويضفي صعوبة على العلاقات الاجتماعية”.

 

ومن أجل قياس قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على إصدار الأحكام بشأن قول الحقيقة أو الكذب، استخدم الباحثون منصة “فيو بوينت” البحثية عن طريق عرض مقاطع صوتية فقط أو صوتية وبصرية لأحاديث بشرية، على أنظمة الذكاء الاصطناعي، ثم مطالبتها بتقييم ما إذا كان هؤلاء البشر يقولون الصدق أو يكذبون مع تقديم تبريرات لتفسير هذه الأحكام. وفي إطار التجربة، كان يتم تقييم متغيرات مختلفة مثل نوع المقطع والسياق “مثل المعلومات والظروف التي تفسر حقيقة ما يقوله المتحدث”، ومعدلات الصدق والكذب خلال عملية التواصل، وأخيرا طبيعة شخصية المتحدث، من أجل تقييم مدى الصدق في تلك المقاطع محل الاختبار.

 

ووجدت إحدى التجارب التي أجريت في إطار الدراسة إن الذكاء الاصطناعي أكثر ميلا إلى افتراض الكذب وبلغت نسبة دقته في اكتشاف الأكاذيب 85.8% مقابل 19.5% للأقوال الصادقة، وأن دقة الأنظمة الاصطناعية على رصد الأكاذيب في سياق عمليات الاستجواب القصيرة تتشابه مع قدرة الانسان في نفس المجال. غير أنه في سياقات أخرى مثل الأحاديث التي تدور بين الأصدقاء على سبيل المثال، كان الذكاء الاصطناعي أكثر ميلا لافتراض الصدق في المتحدث. وبشكل عام، أظهرت النتائج أن الذكاء الاصطناعي يميل بشكل أكبر إلى افتراض الكذب وأنه أقل دقة في التوصل إلى الأحكام الصحيحة بشكل كبير من البشر.

 

ويقول ماركوفيتس، إن “الهدف الأساسي للدراسة هو معرفة ما الذي يمكن أن نتعلمه بشأن الذكاء الاصطناعي عند إشراكه في تجربة لكشف الكذب، وقد تبين لنا أن هذه الأنظمة تهتم بالسياق، ولكن هذا لا يجعلها افضل في التعرف على الأكاذيب”. وقد أظهرت المحصلة النهائية للتجارب أن النتائج التي حققها الذكاء الاصطناعي لا ترقى لنتائج البشر في اكتشاف الخداع، وأن الحس الإنساني ينطوي على أهمية بالغة في كشف الكذب.

 

وسلطت الدراسة الضوء على أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا الغرض قد يبدو نزيها ومحايدا، ولكن لابد أن تحقق هذه الصناعة تقدما ملموسا قبل إمكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لاكتشاف الخداع.

 

وأضاف ماركوفيتس: “من السهل أن نعرف لماذا يريد البشر استخدام الذكاء الاصطناعي في كشف الكذب، لأن ذلك يبدو عملا تكنولوجيا ونزيها وغير منحاز، ولكن نتيجة الدراسة تشير إلى أننا لم نصل إلى هذا المستوى حتى الآن، وأنه لابد أن يحقق الباحثون والمتخصصون تحسنا كبيرا قبل إمكانية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا الأمر”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى