الاقتصاد المصري بعد عامين من صفقة رأس الحكمة.. 12 ألف مصنع ينتظر “الإنعاش”

بعد عامين من ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد المصري، عززها الاتفاق الاستثماري الضخم في رأس الحكمة مطلع عام 2024، كان الأمل يحدو الجميع في انطلاقة صناعية شاملة.
لكن رغم الجرعة القوية من الانتعاش الاقتصادي، تشير آراء مختصين إلى أن الجهود الحكومية والشركات للنهوض بالصناعة لم ترتقِ بعد إلى مستوى الكفاءة المأمولة.
المشكلة الأكبر تكمن في فجوة التنفيذ التي تباعد بين الخطط الطموحة والنتائج على أرض الواقع.
الـ 12 ألف مصنع.. وعود معلّقة ومبادرات مؤجلة
في قلب التحدي الصناعي يقف ملف 12 ألف مصنع متعثر على مستوى الجمهورية، نصفها لم يرَ الإنتاج أصلاً.
منذ نوفمبر 2024، تعهدت وزارة الصناعة بوضع خطط لإعادة إحياء هذه المصانع، مستهدفة زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 20% بحلول عام 2030 وتوفير سبعة ملايين فرصة عمل.
لكن، حتى اليوم، تتحدث مصادر مسؤولة في اتحاد الصناعات المصرية عن عدم الإعلان عن تشغيل مصنع متعثر واحد بشكل رسمي. كما أن الوزارة لم تقدم قائمة بالمصانع التي تم إحياؤها مؤخراً.
وفي إعلان لافت منتصف سبتمبر 2025، صرح كامل الوزير، وزير الصناعة والنقل، بأن الحكومة ستطلق رسمياً، قبل نهاية الشهر ذاته، مبادرة ضخمة لإعادة تشغيل المصانع بالتعاون مع البنك المركزي المصري.
وتشمل المبادرة تأسيس صندوق استثماري يشارك فيه عدد من البنوك الحكومية للاستثمار في المصانع المتعثرة مالياً مقابل الحصول على حصة في ملكيتها. ورغم أهمية هذا الإعلان، لم تخرج هذه المبادرة إلى النور بعد.
حلقة مفرغة من الأزمات والتمويلات المعطلة
تعود أسباب تعثر المصانع، وفقاً لمحمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، إلى أزمات متراكمة منذ عام 2011، تفاقمت بفعل الصدمات العالمية المتتالية: جائحة كورونا، حرب روسيا وأوكرانيا، أزمة شح الدولار، وأخيراً الاضطرابات الجيوسياسية ومشاكل التوريد الناتجة عن العدوان على غزة.
وفي إطار محاولات الدعم، أطلقت الحكومة مبادرة حديثة بقيمة 30 مليار جنيه لتمويل القطاعات الصناعية ذات الأولوية (الأدوية، الأغذية، الهندسية، الكيماوية، الملابس والمنسوجات، التعدين، مواد البناء)، لكن هذا التمويل يقتصر على شراء المعدات والآلات وخطوط الإنتاج فقط، ولا يشمل رأس المال العامل أو إسقاط المديونيات.
وما زال تنفيذ هذه المبادرة بطيئاً ومعقداً؛ حيث يشترط مرور كل طلب تمويلي عبر دراسة من هيئة التنمية الصناعية. والنتيجة أن المصنعين يشيرون إلى أنه لم يتم تمويل أي مصنع من خلالها حتى الآن.
المبادرة الوحيدة التي يصفها المصنعون بأنها حققت أثراً ملموساً كانت مبادرة البنك المركزي عام 2019، التي ضخت 100 مليار جنيه بفائدة متناقصة 10%، والأهم أنها سمحت بإعفاء المصانع المتعثرة من الفوائد المتراكمة عليها حال سداد 50% من أصل الدين، مما ساهم في إحياء نحو 8 آلاف مصنع حينها.
ركود الأسواق.. ومكاسب الدولار لا تنعكس على المستهلك
تتزامن حالة التعثر الصناعي مع استمرار انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي، حسب أحدث تقرير لمؤشر ستاندرد أند بورز جلوبال لمديري المشتريات، الذي أظهر تراجعاً في الطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة في خمسة أشهر.
ركود الأجهزة الكهربائية: أكد أشرف هلال، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية، أن مبيعات القطاع تعاني من ركود مستمر منذ عامين، متوقعاً ارتفاع الأسعار بنسبة 5-10% نتيجة المخاوف من رسوم جديدة على مادة البليت، مما يعطل تفعيل عروض خفض الأسعار التي أعلنت عنها الحكومة مؤخراً.
السوق العقارية: يشهد القطاع موجة من تباطؤ المبيعات بسبب الزيادات غير المدروسة في الأسعار والتوسع المفرط في طرح المشروعات، مما دفع المشترين إلى التردد.
وقد حذّر خبراء، ومنهم نجيب ساويرس، من احتمالية حدوث فقاعة عقارية في ظل معدلات الفائدة المرتفعة.
المعضلة الأكبر تكمن في عدم تراجع أسعار السلع رغم التحسن الملحوظ في سعر صرف الجنيه المصري، الذي صعد بنحو 6% مقابل الدولار في الأسابيع الماضية، متراجعاً من مستوى فاق 52 جنيهاً إلى قرب 47.5 جنيهاً.
القطاعات التي تعتمد على مدخلات مستوردة، مثل الأغذية والحديد والأدوية والعقارات، لم تخفض أسعارها على الرغم من تراجع كلفة الاستيراد.
ورغم مبادرة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في أغسطس لخفض الأسعار نتيجة صعود الجنيه، ظلت استجابة الشركات محدودة جداً.
في الوقت الذي يستمر فيه التعهد بدعم الصناعة، يبقى السؤال معلقاً: هل يمكن للاقتصاد المصري أن يكسر حلقة الركود والتضخم دون تحويل الوعود والمبادرات المالية الضخمة إلى تنفيذ فعلي ينهي معاناة المصانع ويعيد الحياة إلى الأسواق؟