إسرائيل تشعل الضفة الغربية وتغذي الانقسام بين الفصائل لنسف جهود السلام في غزة

بينما يحاول الفلسطينيون لملمة جراحهم بعد حربٍ مدمّرة على غزة، تتكشف على الأرض ملامح خطة إسرائيلية جديدة تُعيد إشعال الضفة الغربية وتزرع بذور الفتنة بين الفصائل الفلسطينية، في وقتٍ تسعى فيه القاهرة وواشنطن والدوحة إلى تثبيت اتفاق الهدنة الهش.
فالمشهد في غزة يبدو ظاهريًا أكثر استقرارًا، لكن خلف الكواليس تسعى إسرائيل لتغيير قواعد اللعبة. فبعد أن أدركت أن صواريخها لم تُخضع المقاومة، قررت تحويل وجهة الصراع نحو الضفة الغربية، عبر تصعيد ميداني خطير تقوده جماعات المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي، واستغلال الانقسامات الداخلية الفلسطينية لإضعاف أي موقفٍ موحد يمكن أن يعيد بناء السلام.
خطة قديمة بثوبٍ جديد
مصادر دبلوماسية مطلعة تحدثت عن “خطة خفية” تتبناها دوائر إسرائيلية لإشعال الضفة، تقوم على مبدأ “الفوضى المنظمة”: إذ تُكثّف الاعتداءات على المزارعين والقرى الفلسطينية في موسم الزيتون، وتُطلق يد المستوطنين تحت غطاء قانوني، بالتزامن مع محاولات داخل الكنيست لتمرير تشريعات تُمهّد لضم الضفة رسميًا.
الهدف – وفقًا للمصادر – هو خلق واقع ميداني يصعب التراجع عنه، وفي الوقت نفسه دفع الفصائل الفلسطينية للدخول في حالة صدامٍ داخلي تُفرغ الهدنة في غزة من مضمونها.
الضفة الغربية.. النار التي لا تنطفئ
في الأيام الأخيرة وحدها، شهدت مدن نابلس والخليل ورام الله عشرات الاعتداءات من قبل المستوطنين، شملت حرق سيارات ومنازل واقتلاع أشجار زيتون، في حين تشير تقارير حقوقية إلى تسجيل أكثر من 500 اعتداء خلال شهرٍ واحد، نصفها تقريبًا ضد مزارعين أثناء عملهم في الحقول.
وتقول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إن هذه الاعتداءات ليست فردية، بل “ممنهجة ومحمية رسميًا”، بهدف تهجير السكان تدريجيًا من أراضيهم ودفعهم نحو مناطق أكثر اكتظاظًا يسهل السيطرة عليها لاحقًا.
تحذيرات أمريكية.. وصمتٌ إسرائيلي
على الجانب الآخر، أثارت التحركات الإسرائيلية الأخيرة قلق الإدارة الأمريكية، إذ وصف الرئيس الأمريكي التصويت التمهيدي في الكنيست بشأن ضم الضفة بأنه “قرار أحمق”، مؤكداً أن أي خطوة في هذا الاتجاه “ستقضي على ما تبقى من فرص السلام”.
وفي الكونجرس، دعا عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الإدارة إلى “اتخاذ موقف حازم” تجاه إسرائيل، معتبرين أن الاستفزازات في الضفة تهدد بانفجارٍ جديد قد يمتد إلى غزة ولبنان.
ورغم هذه التحذيرات، تواصل الحكومة الإسرائيلية صمتها، تاركةً الميدان لمليشيات المستوطنين لتؤدي الدور المرسوم لها.
غزة.. سلام فوق الرماد
أما في غزة، فالمشهد لا يقل قسوة. فخلف الركام، لا تزال فرق الإغاثة تعمل على انتشال رفات الضحايا ودفن الجثامين التي أعادها الاحتلال، فيما وصفت منظمة “هيومانيتي آند إنكلوجن” القطاع بأنه “أخطر منطقة ملوثة بالمتفجرات في العالم”، مؤكدة أن إزالة الذخائر غير المنفجرة قد تستغرق عقودًا.
ورغم محاولات المجتمع الدولي دعم جهود الإعمار، إلا أن المساعدات تصل ببطء، فيما يزداد الضغط الشعبي على الحكومة المحلية التي تحاول إعادة بناء ما دمرته الحرب.
انقسام الفصائل.. الثغرة التي تتسلل منها إسرائيل
تستغل إسرائيل كل خلافٍ بين الفصائل الفلسطينية لتغذية الانقسام، إذ تدرك أن وحدة الصف هي التهديد الحقيقي لمشاريعها.
وبينما تتبادل القوى السياسية الاتهامات بشأن إدارة القطاع ومفاوضات الإعمار، تتسلل إسرائيل إلى المشهد بثوبٍ جديد: تارةً كضامنٍ للأمن في الضفة، وتارةً كقوةٍ “تحمي المستوطنين”، لكنها في الواقع تدير صراعًا صامتًا هدفه كسر إرادة الفلسطينيين وتشتيت جهدهم الوطني.
خاتمة.. لعبة السلام المزيّف
وهكذا، يبدو أن ما يحدث ليس سوى فصلٍ جديد من “لعبة السلام المزيّف” التي تتقنها إسرائيل؛ سلامٌ في غزة تحت نيرانٍ خامدة، وحربٌ صامتة في الضفة تُدار بخيوطٍ دقيقة.
وفيما يراهن العالم على استمرار الهدوء، تتحرك إسرائيل بخطى محسوبة نحو إشعال نارٍ جديدة، لتبقى فلسطين بين هدنةٍ على الورق، واحتلالٍ يتجدد كل يوم في الميدان.



